في معرض كلامه على الاحتذاء عند الشعراء تعريفاً وتطبيقاً، عرَّف الجرجاني الأسلوب بوجازة متناهية فقال: "والأسلوبُ الضربُ من النظم والطريقة فيه".
أمام هذا التعريف المكثف والمقتضب في آن، أتساءل بنسبة عالية من التفكير والتأمل: هل بالإمكان التحقق من تطبيق هذا التعريف على نص الجرجاني و "دلائله"؟ أيْ: هل يمكن اعتبار الكتاب: نظْماً آخر على غرار ما أَوردَ من نصوصٍ وأحكام وخلاصات؟
والجواب: ليس هناك ما يمنع، إذا قمتُ بسبْرِ أغوار نسيجه اللغوي المحْكم، والنظر إليه بنفس المقياس الذي استخدمه مع عدد كبير من الآيات القرآنية والشواهد الشعرية
...ولعلي أقترب من الجواب أكثر، إذا استطعتُ التعامل مع النص بشيء من التحليل المرتكز على تسليط الضوء على خيوط هذا النسيج وتنوع وجوه الحبكة فيه ومقتضيات الصنعة فيه، أعرض ذلك كله وفقاً للعناوين والفقرات الآتية:
* الحبْك المتشابك وتداخل الجمل
تميز أسلوب الجرجاني بما أُسمّيه الحبك المتشابك المطَّرد، في جمل متتابعة وأغراض متداخلة، الأمر الذي يورث القلق في المتابعة، والالتباس في القصد. فتجتهدُ لمعرفة طبيعة الفعل: أهو للمجهول أم للمعلوم، وفي إلحاق الضمير بهذا الاسم أم بغيره
... فتقف حائراً مفكْراً في ضبط الكلام وإعرابه وتأويله - لأنَّ كلَّ ما يُفهم من السياق، إنما يرتبط بصورة مباشرة بحسْن إعرابنا الكلامَ، وربطِ جُمله وعباراته. ولولا تدخل الإمام عبده والمصحح رضا في تنوير القارئ ببعض الحواشي الموضحة، لبقي كثير من النصوص شبه مُقْفلٍ، بسبب تعذر تشكيل بعض المفردات، وغياب علامات الترقيم التي تكمِّل التشكيل وتُزيل الالتباس، كأنما بعضُ العلامات، حركات إعرابية نيّرة.
من ذلك وقوفُه شبهُ المستهجن أمام رأي الناس في جعل الاستعارة هي وحدها التي تميَّزتْ بالشرف المستمد من الآية الكريمة: {وَاشْتَعَلَ الرَّأسُ شَيَبْاً} مريم: 4 وجوابه: