وإذا استقرَيْتَ وجدْتَ الأمرَ كذلك أبدا؛ متى كان مفعولُ المشيئةِ أمراً عظيماً أو بديعاً غريباً، كان الأَحْسَنَ أنْ يُذكَرَ ولا يُضْمَر. يقول الرجلُ يُخْبِرُ عن عِزَّة نفسِه: (لو شئتُ أن أَردَّ على الأمير ردَدْتُ، ولو شئتُ أن أَلْقى الخليفَةَ كلَّ يومٍ لَقِيتُ). فإذا لم يكن مما يُكْبِرُهُ السامعُ، فالحذفُ. كقولك: لو شئتُ خرجتُ، ولو شئتُ قمتُ، ولو شئتُ أنصفتُ، ولو شئتُ لقلت. وفي التنزيل {لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هاذا} الأنفال: 31. وكذا تقول: لو شئتُ كنتُ كزيد، قال من البسيط:
لو شئتُ كنتُ كَكُرْزٍ في عبادتِه
... أو كَابْنِ طارِفَ حولَ البيتِ والحَرَمِ
وكذا الحكُمُ في غيره من حروف المُجَازاة أن تقول: إن شئتُ قلتُ، وإن أَردتُ دفعتُ. قال الله تعالى: {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ} الشورى: 24 وقال عزَّ اسْمُه {مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} الأنعام: 39. ونظائر ذلك من الآي ترَى الحذْفَ فيها المستمرَّ.
وممَّا يُعْلَمُ أَنْ ليس فيه لغيرِ الحذْفِ وجهٌ، قولُ طرفة من الطويل:
وإنْ شئتُ لم تُرْقِلْ وإنْ شئتُ أرْقَلَتْ
... مخافَةَ مَلْوِيٍّ مِنْ القِدِّ مُحْصَدِ
وقولُ حميد من الطويل:
إذا شئتُ غنَتْني بأجزاعِ بِيشَةٍ
... أو الزُّرْقِ من تَثليثَ أَوْ بيَلَمْلما
مُطَوَّقةٌ ورقاءُ تَسْجَعُ كَلَّما
... دَنا الصيفُ وانجابَ الربيعُ فأَنجَما
وقولُ البحتري من الطويل:
إذا شاءَ غادى صِرمةً أو غدا على
... عقائلِ سِرْبٍ أو تَقَنَّصَ رَبْرَبا
وقولُه من الكامل:
لو شئتَ عُدْتَ بلادَ نَجْدٍ عَوْدةً
... فحَللْتَ بين عقيقهِ وزَرْودِهِ
معلوم أنكَ لو قلْتَ: (وإن شئتَ أن لا تُرْقِلَ لم تُرْقل. أو قلتَ: إذا شئتُ أن تُغنِّيني بأجزاع بيشة غنَّتْني، وإذا شاء أن يُغادي صرمةً غادى، ولو شئتَ أن تَعودَ بلادَ نجدٍ عودةً عُدْتَها): أذْهَبْتَ الماءَ والرونقَ، وخرجْتَ إلى كلامٍ غَثٍّ، ولفظٍ رَثٍّ، وأما قولُ الجوهري من الطويل:
فلم يُبْقِ منِّي الشوقُ غيرَ تَفكُّري
... فلو شئتُ أن أبكي بكَيْتُ تَفَكُّرا