هو الرجُلُ المَشْرُوكُ في جُلِّ مالِهِ
... ولكنَّه بالمَجْد والحَمْد مُفْرَدُ
تقديرُه، كأنه يقول للسامع: فكِّرْ في رجلِ لا يتميزُ عفاتُه وجيرانُه ومعارِفُه عنه في ماله وأَخْذ ما شاؤوا منه، فإذا حصَلتْ صورتُه في نفسك، فاعلمْ أنه ذلكَ الرجلُ. وهذا فنٌّ عجيبُ الشأنِ وله مكانٌ من الفخامة والنُبْل، وهو من سِحْر البيان الذي تَقْصُرُ العبارةُ عن تأدية حقِّه، والمُعَوَّلُ فيه على مراجعة النفس واستقصاءِ التأمُّلِ؛ فإذا علمتَ أنه لا يريد بقوله: "الرجلُ المشروكُ في جل ماله"، أن يقول: هو الذي بَلَغَكَ حديثهُ وعرفْتَ مِنْ حالهِ وقصَّته أنه يُشرَكُ في جُلِّ ماله، على حد قولِكَ: هو الرجلُ الذي بلغَكَ أنه أنفقَ كذا والذي وهَبَ المائة المصطفاة من الإبل، ولا أن يقول: إنه على معنى "هو الكاملُ في هذه الصفةِ حتى كأنَّ ههنا أقواماً يُشركون في جلِّ أمواله إلا أنه في ذلك أكملُ وأتَمُّ" لأنَّ ذلك لا يُتَصوَّر. وذاك أنَّ كوْنَ الرجل بحيثُ يُشْرَك في جُلِّ ماله، ليسَ معنىً يَقعُ فيه تَفاضُلٌ، كما أن بَذْلَ الرجلِ كَلَّ ما يَملكُ كذلك؛ ولو قيل: الذي يُشْرَكُ في ماله، جاز أن يَتفاوَتَ. وإذا كان كذلك علمت أنه معنًى ثالث وليس إلا ما أشرْتَ إليه من أنه يقولُ للمخاطب: ضَعْ في نفسك معنى قولِك "رجلٌ مشروكٌ في جُلِّ مالهِ" ثم تأمل فلاناً فإنك تستملي هذه الصورةَ منه وتَجدهُ يؤدِّيها لك نَصّاً ويأتيكَ بها كَمَلاً. وإن أردْتَ أن تسمع في هذا المعنى ما تَسْكُن النفسُ إليه سكونَ الصادي إلى بَرْد الماء، فاسمعْ قوله من الطويل:
أنا الرجلُ المدعوُّ عاشِقَ فقرِهِ
... إذا لَمْ تُكارِمْني صروفُ زماني
وإن أردت أعجب من ذلك فقوله من الكامل:
أهدى إليَّ أبو الحُسين يداً
... أَرْجو الثوابَ بها لَدَيْهِ غَدا
وكَذَاك عاداتُ الكَريم إذا
... أولى يداً حُسِبَتْ عليه يدا
إن كان يحْسدُ نفْسَه أحَدٌ
... فلأَزْعُمنَّكَ ذلكَ الأَحدا