وهكذا في عرض شامل لجميع ما في البيتِ من ألفاظ وتقديم وتأخير واعتراض وانتقاء كلام مكان كلام .. ولا أراه ملْزماً بعرض كل ما عرض، وأن يجد سبباً لجمال النظم في هذا البيت في التفاتات أخرى، كلفتتِه الأولى عند (جموح النظر) وشَبيهه، لأننا سنجد هذا النسق من التحليل والمراجعة في أي بيت آخر له عناصره وجمله وصوره. ورويُّه وأشياء أخرى لا يمكن حصرها. وقد تكرر هذا النمط كثيراً ولا سيما في تقليبات الوجوه الإعرابية ولبعض الآيات القرآنية التي أغدق عليها من المراجعة والتصور المتعدد الوجوه، بما يشبه التبذُّل، وهو الخبير بمواضع الجمال وبلاغة القول.
* صعوبة تشكيل النص بسبب التطويل وتشعيب الجمل والمعاني
سبقت الإشارة إلى هذا الأمر، في معرض الكلام على أساليب المؤلف، وأعود إليها الآن لإبداء قلقٍ في ضبط النص الذي خلا من التشكيل وتنقيط الياء، وكثير من علامات الترقيم، وليس ذلك وقفاً على نصِّ الجرجاني .. كل النصوص القديمة كذلك، ولكن المشكلة هي في طول الجمل والعبارات التي تبدأ بفعل، وتطوي سطوراً عديدة لتعثر على مفعوله، أو مبتدأ، فصل عن خبره بجمل معترضة واستدراكات وتحوُّلات كلام، حتى صارت الإعادة والمراجعة واجبة لمعرفة الجواب أو الخبر، وغير ذلك، فيلتبس إعراب الكلام ويصعب الضبط الدقيق. وكثيراً ما كان يتدخل الشارح الشيخُ رضا ويعيِّن فاعلاً أو خبراً أو جواب شرط أو عطفاً. والأمثلة كثيرة يسهل الوقوف عليها، ولا سيما توضيحات الشارحين وإضاءاتهم.
* إطناب في القول يشبه الحشو
الإطناب في اللغة: المبالغة في مدح أوْ ذمِّ والإكثار فيه، وهذا ما نقصد إليه هاهنا، لا الإطناب البلاغي الذي يتداخل مع التطويل والإسهاب والتكرير والإيغال والتكميل وغيره مما شرحته في بحث خاص.
وأكثر مظاهر هذا الإطناب تتبدَّى في (إنَّ وإنَّما وعلى أن
... الخ) حروف يستخدمها المؤلف لا يكاد يتخلى عنها في معظم جمله وتراكيبه، كقوله متحدثاً عن الاستعارة:
"إنَّا إذا نظرنا إلى الاستعارة وجدناها إنما كانت أبلغ من أجل أنها تدل على قوة الشَّبه".
والأسلوب الذي أفضله في هذا المضمار قوله: