القائل مسحت الجدار ومررت بالجدار. فإذا قال: مسحت الجدار، ظهر كونه ماسحا لكله، وإذا قيل مررت به لم يفهم منه ذلك.
فقيل له: هذا فرق لا يعرفه أهل اللغة، والباء زائدة ها هنا.
فأجابوا بأنا إذا جعلناها زائدة ألغينا مقتضاها.
ومتى أمكن إعمالها فلا يلغى مقتضاها.
قيل لهم: إذا كانت ترد زائدة، فكونها زائدة مقتضاها أو معناها فما ألغيناها من هذه الجهة، وإذا لم يثبت ذلك، فالتبعيض إنما يتلقى من لفظ المسح، فإذا قال قائل: مسحت الجدار، وكان قد مسح بعضه كان اللفظ حقيقة وتم مقتضاه، فالرأس وإن كان حقيقة في جميع العضو ولكن رب فعل يضاف إليه، فلا يفهم من الرأس كمال العضو لمكان الفعل، مثل فهم الفرق من قول القائل: حلقت رأس فلان، في أنه يفهم منه استيعاب الحلق جميع الرأس.
وقوله ضربت رأس فلان، في أنه لا يفهم منه استيعابه.
وهذا لا يتجه كما ينبغي إلا أن يضاف إلى العرف، فيقال في العرف إذا قال القائل: حلقت رأس فلان، يبعد فهم حلق بعضه، لأن ذلك الفعل على وجه التبعيض غير متعارف، ويقول القائل رأيت فلانا، وإنما يكون قد رأى وجهه، ولكن ذلك بعّضه العرف. ويقول: رأيت مدينة كذا أو سور مدينة كذا، وإنما قد رأى شيئا يسيرا من ذلك، فهذا الفرق منشؤه العرف لا غير.
فبالجملة إذا قال القائل وقد مسح بعض رأسه: مسحت الرأس، كان ذلك حقيقة ولم يكن مجازا، وهذا لا يبعد إثباته، ويتأيد ذلك بالإجماع على جواز ترك شيء من مسح الرأس
...