استسلامه، فليس يظهر معنى الندم فيه، فعلى هذا ليست الكفارة في عينها توبة ولا الحد، وإنما التوبة الندم، غير أن الكفارة تقترن بها التوبة غالبا، فسميت توبة بخلاف الحدود.
قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) الآية «1» .
استثناء لم يأت قبل القدرة عليهم، فيقتضي إخراجهم من جملة من وجب عليهم الحد، لأن الاستثناء حقيقة ذلك، مثل قوله تعالى:
(إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ) «2» .
فأخرج آل لوط من المهلكين، وأخرج المرأة في الاستثناء من الاستثناء من جملة المنجين.
وقال تعالى: (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) «3» فأخرجه من جملة الساجدين.
نعم، قد قال في السرقة: (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) «4» .
ولم يسقط حد السرقة، لأنه لم يقع الاستثناء من جملة من أوجب عليهم الحدود، وإنما أخبر أن الله غفور رحيم لمن تاب منهم، وفي آيتي المحاربين ذكر استثناء يوجب إخراجهم من الجملة.
وقوله: (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ) ، يصلح أن يكون كلاما مبتدأ مستقلا بنفسه، من غير أن يفتقر إلى تضمين غيره، فلم نجعله مضمنا لغيره إلا بدلالة.