وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَثْبُتَ مَعَهُمْ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لَا يَقْتَحِمُ الْوَاحِدُ عَلَى الْعَشَرَةِ وَلَا الْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إلْقَاءَ الْيَدِ إلَى التَّهْلُكَةِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
قَالَ أَشْهَبُ: قَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} الأنفال: 66 فَكَانَ كُلُّ رَجُلٍ بِاثْنَيْنِ.
الْآيَة التَّاسِعَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىحَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الأنفال: 67.
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، وَذَلِكَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَالْمُسْلِمُونَ قَلِيلٌ، فَلَمَّا كَثُرُوا قَالَ اللَّهُ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} محمد: 4، فَخَيَّرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ بَعْدَهُ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَجِيءَ بِالْأَسْرَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَوْمُك وَأَهْلُك، فَاسْتَبْقِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ. قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ كَذَّبُوك وَأَخْرَجُوك، قَدِّمْهُمْ وَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ اُنْظُرْ وَادِيًا كَثِيرَ الْحَطَبِ فَأَدْخِلْهُمْ فِيهِ، ثُمَّ أَضْرِمْهُ عَلَيْهِمْ نَارًا. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: قَطَعْتَ رَحِمَك. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُجِبْهُمْ، ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ. وَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ.