الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فَقَالَ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ».
وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ وَالْغَايَةُ الْقُصْوَى.
مَسْأَلَة تَحْقِيقِ الْكُفْرِالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} التوبة: 29 الْآيَةَ: نَصٌّ فِي تَحْقِيقِ الْكُفْرِ، وَذَلِكَ أَنْ نَقُولَ: الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ أَصْلَانِ فِي تَرْتِيبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمَا فِي الدِّينِ، وَهُمَا فِي وَضْعِ اللُّغَةِ مَعْلُومَانِ.
وَالْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ لُغَةً أَوْ التَّأْمِينُ. وَالْكُفْرُ هُوَ السِّتْرُ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ حِسًّا، وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِنْكَارِ وَالْجَحْدِ مَعْنًى، وَكِلَاهُمَا حَقِيقَةٌ، أَوْ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأَمَدِ الْأَقْصَى " وَغَيْرِهِ. وَقَدْ قَالَ شَيْخُ السُّنَّةِ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: إنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ لُغَةً، وَقَدْ أَفَدْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ كُفْرَ الْمَعَانِي جُحُودُهَا وَإِنْكَارُهَا فَالشَّرْعُ لَمْ يُعَلِّقْ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى كُلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ كُفْرٍ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى بَعْضِهَا، وَهِيَ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} التوبة: 29 الْآيَةَ.
فَقَوْلُهُ: {لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} التوبة: 29 نَصٌّ فِي الْكُفْرِ بِذَاتِهِ يَقِينًا، وَفِي الْكُفْرِ بِالصِّفَاتِ ظَاهِرًا: لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَوْجُودُ الَّذِي لَهُ الصِّفَاتُ الْعُلَا وَالْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى؛ فَكُلُّ مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَوْلُهُ: {وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} التوبة: 29 نَصٌّ فِي صِفَاتِهِ، فَإِنَّ الْيَوْمَ الْآخِرَ عَرَفْنَاهُ بِقُدْرَتِهِ وَبِكَلَامِهِ؛ فَأَمَّا عِلْمُنَا لَهُ بِقُدْرَتِهِ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دَلِيلٌ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَوْمِ الْآخِرِ.
وَأَمَّا عِلْمُنَا لَهُ بِالْكَلَامِ فَبِإِخْبَارِهِ أَنَّهُ فَاعِلُهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ أَحَدٌ الْبَعْثَ فَقَدْ أَنْكَرَ الْقُدْرَةَ وَالْكَلَامَ، وَكَفَرَ قَطْعًا بِغَيْرِ كَلَامٍ، وَقَوْلُهُ: {وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} التوبة: 29 نَصٌّ فِي أَفْعَالِهِ الَّتِي مِنْ أُمَّهَاتِهَا إرْسَالُ الرُّسُلِ، وَتَأْيِيدُهُمْ بِالْمُعْجِزَاتِ النَّازِلَةِ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ: صَدَقْتُمْ أَيُّهَا الرُّسُلُ، فَإِذَا أَنْكَرَ أَحَدٌ الرُّسُلَ أَوْ كَذَّبَهُمْ فِيمَا يُخْبِرُونَ عَنْهُ مِنْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَالْأَوَامِرِ وَالنَّدْبِ، فَهُوَ