الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي تَنْقِيحِ الْأَقْوَالِ، وَجَلَاءِ الْحَقِّ: وَذَلِكَ يَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ مَدَارَكَ: الْمُدْرَكُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكُلَّ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَاهَا وَقُضِيَتْ بَقِيَ الْمَالُ مُطَهَّرًا، كَمَا قَالَ عُمَرُ.
الْمُدْرَكُ الثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ أَكَّدَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} فصلت: 6 {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} فصلت: 7.
الْمُدْرَكُ الثَّالِثُ: تَخْلِيصُ الْحَقِّ مِنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ، فَنَقُولُ: أَمَّا الْكَنْزُ فَهُوَ مَالٌ مَجْمُوعٌ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَالٍ دِينَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقٌّ، وَلَا حَقَّ لِلَّهِ سِوَى الزَّكَاةُ؛ فَإِخْرَاجُهَا يُخْرِجُ الْمَالَ عَنْ وَصْفِ الْكَنْزِيَّةِ، ثُمَّ إنَّ الْكَنْزَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ أَوْ تِبْرِهَا، وَهَذَا مَعْلُومٌ لُغَةً.
ثُمَّ إنَّ الْحُلِيَّ لَا زَكَاةَ فِيهِ؛ فَيُتَنَخَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أُدِّيَتْ زَكَاتُهُمَا، أَوْ اُتُّخِذَتْ حُلِيًّا فَلَيْسَا بِكَنْزٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ} التوبة: 34 الْآيَةَ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَنْزَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خَاصَّةً، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفَقَةِ الْوَاجِبُ لِقَوْلِهِ: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} التوبة: 34 وَلَا يَتَوَجَّهُ الْعَذَابُ إلَّا عَلَى تَارِكِ الْوَاجِبِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحُلِيَّ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قُلْنَا: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، أَصْلُهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْءٌ.
فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَأَخَذَ بِعُمُومِ الْأَلْفَاظِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي النَّقْدَيْنِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حُلِيٍّ وَغَيْرِهِ.