وَقِيلَ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَشْهَبُ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ: الْمَسْجِدُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ إذْ كَانَ يَقُومُ رَسُولُ اللَّهِ وَيَأْتِيهِ أُولَئِكَ مِنْ هُنَالِكَ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} الجمعة: 11 هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَنَزَعَ مَالِكٌ بِاسْتِوَاءِ اللَّفْظَيْنِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ تَقُومُ فِيهِ.
وَقَالَ فِي هَذَا قَائِمًا؛ فَكَانَا وَاحِدًا، وَهَذِهِ نَزْعَةٌ غَرِيبَةٌ، وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «تَمَارَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ؛ فَقَالَ رَجُلٌ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ؛ وَقَالَ آخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ مَسْجِدِي هَذَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَجَزَمَ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِمِثْلِهِ.
فَإِنْ قِيلَ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فَقَوْلُهُ: {فِيهِ فِيهِ} التوبة: 108: ضَمِيرَانِ يَرْجِعَانِ إلَى مُضْمَرٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ نِزَاعٍ، وَضَمِيرُ الظَّرْفِ الَّذِي يَقْتَضِي الرِّجَالَ الْمُتَطَهِّرِينَ هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ؛ فَذَلِكَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَهُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ضَمِيرَ الرِّجَالِ الْمُتَطَهِّرِينَ هُوَ ضَمِيرُ مَسْجِدِ قُبَاءَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} التوبة: 108.
قَالَ: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ قُبَاءَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاءَ فِي الطَّهُورِ؛ فَمَا تَصْنَعُونَ؟ فَقَالُوا: إنَّا نَغْسِلُ أَثَرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ بِالْمَاءِ».