الْإِدْرَاكُ الْحَقِيقِيُّ فِي الْيَقِظَةِ، وَإِذَا أَخْبَرَ عَمَّا رَأَى صُدِّقَ، فَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ عَمَّا رَأَى فِي الْمَنَامِ تَأَوَّلَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ خَبَرَهُ يُقْبَلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، مِنْهَا الِاسْتِئْذَانُ فَكَذَلِكَ فِي الرُّؤْيَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} يوسف: 5
حُكْمٌ بِالْعَادَةِ مِنْ الْحَسَادَةِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَالْقَرَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَالْحُكْمُ بِالْعَادَةِ أَصْلٌ يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدُ.
وَقِيلَ: إنَّ يَعْقُوبَ قَدْ كَانَ فَهِمَ مِنْ إخْوَةِ يُوسُفَ حَسَدًا لَهُ بِمَا رَأَوْا مِنْ شَغَفِ أَبِيهِ بِهِ؛ فَلِذَلِكَ حَذَّرَهُ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا يَدُلُّ عَلَى مَعْرِفَةِ يَعْقُوبَ بِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا؟؛ لِأَنَّ نَهْيَهُ لِابْنِهِ عَنْ ذِكْرِهَا، وَخَوْفَهُ عَلَى إخْوَتِهِ مِنْ الْكَيْدِ لَهُ مِنْ أَجْلِهَا عُلِمَ بِأَنَّهَا تَقْتَضِي ظُهُورَهُ عَلَيْهِمْ وَتَقَدُّمَهُ فِيهِمْ، وَلَمْ يُبَالِ بِذَلِكَ يَعْقُوبُ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَوَدُّ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ خَيْرًا مِنْهُ، وَالْأَخَ لَا يَوَدُّ ذَلِكَ لِأَخِيهِ.
الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ:
قَوْله تَعَالَى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ - قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} يوسف: 16 - 17.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بُكَاءَ الْمَرْءِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ مَقَالِهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ