وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} مريم: 12 قَالَ: الْمَعْرِفَةُ وَالْعَمَلُ بِهِ. انْتَهَى قَوْلُ مَالِكٍ.
وَفِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ أَنَّهُ قِيلَ لِيَحْيَى، وَهُوَ صَغِيرٌ: أَلَا تَذْهَبُ نَلْعَبُ؟ قَالَ: مَا خُلِقْت لِلَّعِبِ.
الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى وهزي إلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جِنِيًّا} مريم: 25.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} مريم: 25 أَمْرٌ بِتَكَلُّفِ الْكَسْبِ فِي الرِّزْقِ، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنْ غَيْرِ تَكَسُّبٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} آل عمران: 37. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: كَانَ قَلْبُهَا فَارِغًا لِلَّهِ، فَفَرَّغَ اللَّهُ جَارِحَتَهَا عَنْ النَّصَبِ، فَلَمَّا وَلَدَتْ عِيسَى، وَتَعَلَّقَ قَلْبُهَا بِحُبِّهِ، وَكَّلَهَا اللَّهُ إلَى كَسْبِهَا، وَرَدَّهَا إلَى الْعَادَةِ فِي التَّعَلُّقِ بِالْأَسْبَابِ، وَفِي مَعْنَاهُ أَنْشَدُوا:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِمَرْيَمَ
... إلَيْك فَهُزِّي الْجِذْعَ يَسَّاقَطْ الرُّطَبْ
وَلَوْ شَاءَ أَحْنَى الْجِذْعَ مِنْ غَيْرِ هَزِّهَا
... إلَيْهَا وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبْ
وَقَدْ كَانَ حُبُّ اللَّهِ أَوْلَى بِرِزْقِهَا
... كَمَا كَانَ حُبُّ الْخَلْقِ أَدْعَى إلَى النَّصَبْ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي صِفَةِ الْجِذْعِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ لِنَخْلَةٍ خَضْرَاءَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ زَمَانَ الشِّتَاءِ، فَصَارَ وُجُودُ التَّمْرِ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ آيَةً.