فَقَالَ لِي مَالِكٌ: السَّعَةُ وَالْأَمْنُ وَالْحَقُّ. قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ كَانَتْ الْفَسَاطِيطُ تُضْرَبُ فِي الدُّورِ يَنْزِلُهَا النَّاسُ. وَالْبَادِي أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَقْدُمُ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} يوسف: 100
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَوَاءٌ فِي الْحَقِّ وَالسَّعَةِ، وَالْبَادِي أَهْلُ الْبَادِيَةِ، وَمَنْ يَقْدُمُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ كَانَتْ تُضْرَبُ الْفَسَاطِيطُ فِي الدُّورِ، وَلَقَدْ سَمِعْت أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْزِعُ أَبْوَابَ مَكَّةَ إذَا قَدِمَ النَّاسُ. قَالَ: وَالْحَجُّ كُلُّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي الْمَعْنَى الَّذِي فِيهِ التَّسْوِيَةُ: وَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: فِي دُورِهِ وَمَنَازِلِهِ، لَيْسَ الْمُقِيمُ فِيهَا أَوْلَى بِهَا مِنْ الطَّارِئِ عَلَيْهَا. هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَمَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَغَيْرِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُمَا فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ وَالْحُرْمَةُ وَالنُّسُكُ.
وَالصَّحِيحُ عُمُومُ التَّسْوِيَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ فِي الْمَوْسِمِ بِقَلْعِ أَبْوَابِ دُورِ مَكَّةَ حَتَّى يَدْخُلَهَا الَّذِي يَقْدُمُ، فَيَنْزِلُ حَيْثُ شَاءَ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ دُورَ مَكَّةَ هَلْ هِيَ مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا أَمْ هِيَ لِلنَّاسِ؟ الثَّانِي: يَنْبَنِي عَلَيْهِ هَذَا الْأَصْلُ، وَهُوَ أَنَّ مَكَّةَ هَلْ اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا؟ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ رَوَى عَلْقَمَةُ بْنُ نَضْلَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا نَرَى رِبَاعَ مَكَّةَ إلَّا السَّوَائِبَ، مَنْ احْتَاجَ سَكَنَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ الْقَوْلَ فِي رِبَاعِ مَكَّةَ.