الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {يَأْتِينَ} الحج: 27
رَدَّ الضَّمِيرَ إلَى الْإِبِلِ تَكْرِمَةً لَهَا؛ لِقَصْدِهَا الْحَجَّ مَعَ أَرْبَابِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} العاديات: 1 فِي خَيْلِ الْجِهَادِ تَكْرِمَةً لَهَا حِينَ سَعَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: {عَمِيقٍ} الحج: 27 يَعْنِي بَعِيدٌ، وَبِنَاءُ " عَمُقَ " لِلْبُعْدِ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ قَفْرًا:
وَقَاتِمُ الْأَعْمَاقِ خَاوِي الْمُحْتَرَقِ
يُرِيدُ بِالْأَعْمَاقِ الْأَبْعَادَ تَرَى عَلَيْهَا قَتَامًا يُخْتَرَقُ مِنْهَا جَوًّا خَاوِيًا، وَتَمْشِي فِيهِ كَأَنَّك وَإِنْ كُنْت مُصْعِدًا هَاوٍ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ بِئْرٌ عَمِيقَةٌ، أَيْ بَعِيدَةُ الْقَعْرِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:
رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ حَجَّتَيْنِ، وَحَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ثَالِثَةً»، وَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ حَجَّهُ كَانَ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ وَدَعْوَتِهِ، وَإِنَّمَا حَجَّ عَلَى دِينِهِ وَمِلَّتِهِ تَنَفُّلًا بِالْعِبَادَةِ، وَاسْتِكْثَارًا مِنْ الطَّاعَةِ، فَلَمَّا جَاءَهُ فَرْضُ الْحَجِّ بَعْدَ تَمَلُّكِهِ لِمَكَّةَ وَارْتِفَاعِ الْعَوَائِقِ، وَتَطْهِيرِ الْبَيْتِ، وَتَقْدِيسِ الْحَرَمِ، قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ، ثُمَّ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الثَّانِي، وَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْهَ تَأْخِيرِهِ إلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ قَبْلُ.
مَسْأَلَة حَجَّ الرَّاجِلِ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الرَّاكِبِالْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ:
قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَمَّا قَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَهُ رِجَالًا عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ حَجَّ الرَّاجِلِ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الرَّاكِبِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّهَا لَحَوْجَاءُ فِي نَفْسِي أَنْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا، لِأَنِّي سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ: {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} الحج: 27 فَبَدَأَ بِأَهْلِ الرِّجْلَةِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ وَعِيسَى حَجَّا مَاشِيَيْنِ، وَإِنَّمَا «حَجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِبًا