«وَقَدْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَالَهَا مَعَهُ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْت ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَا رَأَى ذَلِكَ مِنِّي».
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} النور: 30 يَعْنِي بِهِ الْعِفَّةَ، وَهُوَ اجْتِنَابُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا حِفْظُهَا عَنْ الْأَبْصَارِ، حَتَّى لَا يَرَاهَا أَحَدٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وُجُوبُ سَتْرِهَا وَشَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهَا فِي الْبَقَرَةِ وَالْأَعْرَافِ، وَإِيضَاحُهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَالْمَسَائِلِ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} النور: 30:
يُرِيدُ أَطْهَرُ عَلَى مَعَانِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ إذَا غَضَّ بَصَرَهُ كَانَ أَطْهَرَ لَهُ مِنْ الذُّنُوبِ، وَأَنْمَى لِأَعْمَالِهِ فِي الطَّاعَةِ؛ وَلِذَلِكَ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ: يَا عَلِيُّ، إنَّ لَك كَنْزًا فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّك ذُو قَرْنَيْهَا، فَلَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّ الْأُولَى لَك وَالثَّانِيَةَ لَيْسَتْ لَك» وَهُوَ أَيْضًا أَفْرَغُ لِبَالِهِ وَأَصْلَحُ لِأَحْوَالِهِ. وَقَدْ أَنْشَدَ أَرْبَابُ الزُّهْدِ:
وَأَنْتَ إذَا أَرْسَلْت طَرْفَكَ رَائِدًا
... لِقَلْبِك يَوْمًا أَتْعَبَتْك الْمَنَاظِرُ
رَأَيْت الَّذِي لَا كُلُّهُ أَنْتَ قَادِرٌ
... عَلَيْهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ
وَقَالُوا: مَنْ أَرْسَلَ طَرْفَهُ أَدْنَى حَتْفَهُ، وَمَنْ غَضَّ الْبَصَرَ كَفَّهُ عَنْ التَّطَلُّعِ إلَى الْمُبَاحَاتِ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا وَجَمَالِهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} طه: 131 يُرِيدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.