وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ احْذَرُوا أَنْ تَتَفَرَّقُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَدْعُوَ عَلَيْكُمْ، وَلَيْسَ دُعَاؤُهُ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، فَإِنَّ دَعْوَتَهُ مُجَابَةٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي عَاهَدْت رَبِّي عَهْدًا، قُلْت: اللَّهُمَّ إنِّي بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ صَلَاةً عَلَيْهِ وَرَحْمَةً إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
الْمَعْنَى الثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَاهُ لَا تُسَوُّوا بَيْنَ الرَّسُولِ وَبَيْنَكُمْ فِي الدَّعْوَةِ، كُلُّ أَحَدٍ يُدْعَى بِاسْمِهِ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُدْعَى بِخُطَّتِهِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ.
وَكَذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ غَفِيرًا: إنَّ الْخَلِيفَةَ يُدْعَى بِهَا، وَالْأَمِيرَ وَالْمُعَلِّمَ، وَيُوَفَّرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ حَظُّهُ مِنْ الْخُطَّةِ، فَيُدْعَى بِهَا قَصْدَ الْكَرَامَةِ.
مَسْأَلَة الْأَمْرَ صَرِيحٌ فِي الِاقْتِضَاءِ وَالْوُجُوبُالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} النور: 63
بِهَذِهِ الْآيَةِ احْتَجَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْأَمْرَ صَرِيحٌ فِي الِاقْتِضَاءِ، وَالْوُجُوبُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَوَجُّهِ اللَّوْمِ وَالذَّمِّ، فَالْأَمْرُ مُقْتَضٍ، وَاللَّوْمُ وَالذَّمُّ خَاتَمٌ، وَذِكْرُ الْعِقَابِ بِالثَّأْرِ مُكَبَّرٌ، يُعَدُّ بِهِ الْفِعْلُ فِي جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ، فَلْيُنْظَرْ تَحْقِيقُهُ هُنَالِكَ.
وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ: إنَّ الْأَمْرَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْبَيَانِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُخَالَفَةُ تَكُونُ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِهِ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ حَرَامًا، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ وَالْفِعْلُ نَدْبًا كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ مَكْرُوهَةً، وَذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَدِلَّةِ، وَيَنْسَاقُ بِمُقْتَضَى الْأَحْوَالِ وَالْأَسْبَابِ الْقَاضِيَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي قَوْلِهِ: {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} النور: 63
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: الْكُفْرُ.
الثَّانِي: الْعُقُوبَةُ.