يَعْنِي سَتْرًا لِلْخَلْقِ، يَقُومُ مَقَامَ اللِّبَاسِ فِي سَتْرِ الْبَدَنِ، وَيُرْبَى عَلَيْهِ بِعُمُومِهِ وَسَعَتِهِ.
وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الْغَفَلَةِ أَنَّ مَنْ صَلَّى عُرْيَانًا فِي الظَّلَّامِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لِبَاسٌ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا فِي بَيْتِهِ إذَا أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ. وَالسِّتْرُ فِي الصَّلَاةِ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِهَا، لَيْسَتْ لِأَجْلِ نَظَرِ النَّاسِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطْنَابِ فِي هَذَا.
الْآيَة الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} الفرقان: 48.
فِيهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَدْ بَيَّنَّا قَوْلَهُ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} الفرقان: 48 فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ {مَاءً طَهُورًا} الفرقان: 48 فَوَصَفَ الْمَاءَ بِأَنَّهُ طَهُورٌ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى وَصْفِهِ بِأَنَّهُ طَهُورٌ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِمَعْنَى مُطَهِّرٌ لِغَيْرِهِ؟ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ سِوَاهُمَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ بِمَعْنَى طَاهِرٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} الإنسان: 21 يَعْنِي طَاهِرًا، إذَا لَا تَكْلِيفَ فِي الْجَنَّةِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
خَلِيلَيَّ هَلْ فِي نَظْرَةٍ بَعْدَ تَوْبَةٍ
... أُدَاوِي بِهَا قَلْبِي عَلَيَّ فُجُورُ
إلَى رَجَحِ الْأَكْفَالِ هِيفٍ خُصُورُهَا
... عِذَابِ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورُ
فَوَصَفَ الرِّيقَ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ، وَلَيْسَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُطَهِّرُ.
وَتَقُولُ الْعَرَبُ: رَجُلٌ نَئُومٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُنِيمٌ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} الفرقان: 48. وَقَالَ: