وَقَدْ رَامَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ بِأَنْ يَجْعَلُوا انْعِقَادَ النِّكَاحِ بِلَفْظِهِ تَعَبُّدًا، كَانْعِقَادِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَأْبَوْنَ مَا بَيْنَ الْعُقُودِ وَالْعِبَادَاتِ. وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ الْأَمْرَ وَسَنُبَيِّنُهُ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
ابْتِدَاؤُهُ بِالرَّجُلِ قَبْلَ الْمَرْأَةِ فِي قَوْلِهِ: {أُنْكِحَكَ} القصص: 27 وَذَلِكَ لِأَنَّهُ الْمُقَدَّمُ فِي الْعَقْدِ، الْمُلْتَزِمُ لِلصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ، الْقَيِّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَصَاحِبُ الدَّرَجَةِ عَلَيْهَا فِي حَقِّ النِّكَاحِ. وَأَبْيَنُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} الأحزاب: 37.
فَبَدَأَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ زَيْنَبَ؛ وَهُوَ شَرْعُنَا الَّذِي لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ.
مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
قَوْله تَعَالَى {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} القصص: 27 هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَرْضٌ لَا عَقْدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْدًا لَعَيَّنَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا لَهُ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وَإِنْ كَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ إذَا قَالَ لَهُ: بِعْتُك أَحَدَ عَبْدِي هَذَيْنِ بِثَمَنِ كَذَا فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ، وَلَا شَيْءَ مِنْ الْخِيَارِ يَلْصَقُ بِالنِّكَاحِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: أَيَّتَهُمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: الصُّغْرَى. ثُمَّ قَالَ مُوسَى: لَا، حَتَّى تُبْرِئَهَا مِمَّا فِي نَفْسِك، يُرِيدُ حِينَ قَالَتْ: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} القصص: 26، فَامْتَلَأَتْ نَفْسُ صَالِحَ مَدْيَنَ غَيْرَةً، وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُرَاجَعَةٌ فِي الْقَوْلِ وَمُؤَانَسَةٌ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَمَّا قُوَّتُهُ فَرَفْعُهُ الْحَجَرَ مِنْ فَمِ الْبِئْرِ وَحْدَهُ، وَكَانَ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا عَشْرَةُ رِجَالٍ، وَأَمَّا أَمَانَتُهُ فَحِينَ مَشَيْت قَالَ لِي: كُونِي وَرَائِي، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَحِينَئِذٍ سَكَنَتْ نَفْسُهُ، وَتَمَكَّنَ أُنْسُهُ.
مَسْأَلَة إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك هَلْ يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ إيجَابًا أَمْ لَاالْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} القصص: 27
هَلْ يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ إيجَابًا أَمْ لَا؟ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الِاسْتِدْعَاءِ، هَلْ يَكُونُ قَبُولًا؟ كَمَا إذَا قَالَ: بِعْنِي ثَوْبَك هَذَا. فَقَالَ: بِعْتُك، هَلْ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَمْ لَا؟ حَتَّى يَقُولَ الْآخَرُ قَبِلْت، عَلَى قَوْلَيْنِ: