النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَقَفَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنِّي وَهَبْت لَك نَفْسِي. الْحَدِيثُ إلَى آخِرِهِ».
وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ لِلْمُفَسِّرِينَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: نَزَلَتْ فِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، خَطَبَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى الْعَبَّاسِ عَمِّهِ.
وَقِيلَ: وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ؛ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَقَتَادَةُ.
الثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُمِّ شَرِيكٍ الْأَزْدِيَّةِ، وَقِيلَ الْعَامِرِيَّةِ، وَاسْمُهَا غَزِيَّةُ؛ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَعُرْوَةُ، وَالشَّعْبِيُّ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ أُمُّ الْمَسَاكِينِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ.
الْخَامِسُ: أَنَّهَا خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةُ.
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَلَمْ يَرِدْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأَقْوَالُ وَارِدَةٌ بِطُرُقٍ مِنْ غَيْرِ خُطُمٍ وَلَا أَزِمَّةٍ، بِيدَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا قَالَا: لَمْ يَكُنْ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةٌ مَوْهُوبَةٌ.
وَقَدْ بَيَّنَّا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ فِي مَجِيءِ الْمَرْأَةِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُقُوفِهَا عَلَيْهِ، وَهِبَتِهَا نَفْسَهَا لَهُ مِنْ طَرِيقٍ سَهْلٍ وَغَيْرِهِ فِي الصِّحَاحِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي ثَبَتَ سَنَدُهُ، وَصَحَّ نَقْلُهُ.
وَاَلَّذِي يَتَحَقَّقُ أَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَهَبْت نَفْسِي لَك؛ فَسَكَتَ عَنْهَا، حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ.
وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْهِبَةُ غَيْرَ جَائِزَةٍ لَمَا سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى الْبَاطِلِ إذَا سَمِعَهُ، حَسْبَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ قَدْ كَانَتْ بِالْإِحْلَالِ