ذَلِكَ إنْ شَاءَ نَكَحَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا؛ وَإِنَّمَا بَيَّنَ ذَلِكَ، وَجَعَلَهُ قُرْآنًا يُتْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ مِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِ نَبِيِّنَا أَنْ يَقْبَلَ مِنْ الْوَاهِبِ هِبَتَهُ، وَيَرَى الْأَكَارِمُ أَنَّ رَدَّهَا هُجْنَةٌ فِي الْعَادَةِ، وَوَصْمَةٌ عَلَى الْوَاهِبِ، وَإِذَايَةٌ لِقَلْبِهِ؛ فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ رَسُولِهِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ، وَلِيُبْطِلَ ظَنَّ النَّاسِ فِي عَادَتِهِمْ وَقَوْلِهِمْ.
مَسْأَلَةُ النِّكَاح بِغَيْرِ صَدَاقالْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْلُهُ: {خَالِصَةً لَكَ} الأحزاب: 50 وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: خَالِصَةً لَك: إذَا وَهَبَتْ لَك نَفْسَهَا أَنْ تَنْكِحَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَلَا وَلِيٍّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ قَتَادَةُ.
وَقَدْ أَنْفَذَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ نِكَاحَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فِي السَّمَاءِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ الْخَلْقِ، وَلَا بَذْلِ صَدَاقٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ بِحُكْمِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَمَالِك الْعَالَمِينَ.
الثَّانِي: نِكَاحُهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ؛ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ عَقْدَ نِكَاحِهَا بِلَفْظِ الْهِبَةِ خَالِصًا لَك، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ؛ قَالَهُ الشَّعْبِيُّ.
قَالَ الْقَاضِي: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِي أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الصَّدَاقِ مَذْكُورٌ فِي الْآيَةِ، وَلِذَلِكَ جَاءَتْ وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} الأحزاب: 50 فَأَمَّا سُقُوطُ الْوَلِيِّ فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ لِلْوَلِيِّ النِّكَاحَ؛ وَإِنَّمَا شُرِعَ لِقِلَّةِ الثِّقَةِ بِالْمَرْأَةِ فِي اخْتِيَارِ أَعْيَانِ الْأَزْوَاجِ، وَخَوْفِ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ فِي نِكَاحِ غَيْرِ الْكُفْءِ، وَإِلْحَاقِ الْعَارِ بِالْأَوْلِيَاءِ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
مَسْأَلَة خَصَّصَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ بِمَعَانٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌوَقَدْ خَصَّصَ اللَّهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ بِمَعَانٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ فِي بَابِ الْفَرْضِ وَالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، مَزِيَّةً عَلَى الْأُمَّةِ، وَهَيْبَةً لَهُ، وَمَرْتَبَةً خُصَّ بِهَا؛ فَفُرِضَتْ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ، وَمَا فُرِضَتْ عَلَى غَيْرِهِ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ وَأَفْعَالٌ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِمْ؛ وَحُلِّلَتْ