الثَّالِثُ: مَا رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ، يَتَبَرَّزْنَ فِيهِ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُحْجُبْ نِسَاءَك، فَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي، وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَاك يَا سَوْدَةُ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأُنْزِلَ الْحِجَابُ.
الرَّابِعُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أُمِرَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحِجَابِ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؛ إنَّك تَغَارُ عَلَيْنَا وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} الأحزاب: 53.
الْخَامِسُ: رَوَى قَتَادَةُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، أَكَلُوا وَأَطَالُوا الْحَدِيثَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ، وَيَسْتَحْيِي مِنْهُمْ، وَاَللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ.
السَّادِسُ: رَوَى أَنَسٌ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنَّ نِسَاءَك يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ؛ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الرِّوَايَاتُ ضَعِيفَةٌ إلَّا الْأُولَى وَالسَّادِسَةَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَبَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْحِجَابَ نَزَلَ يَوْمَ الْبِنَاءِ بِزَيْنَبِ، وَلَا يَصِحُّ مَا ذُكِرَ فِيهِ.
مَسْأَلَةُ بُيُوتِ النَّبِيِّ إذْ كُنَّ يَسْكُنَّ فِيهَا هَلْ هُنَّ مِلْكٌ لَهُنَّ أَمْ لَاالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {بُيُوتَ النَّبِيِّ} الأحزاب: 53- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْتَ بَيْتُ الرَّجُلِ إذْ جَعَلَهُ مُضَافًا إلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} الأحزاب: 34.
قُلْنَا: إضَافَةُ الْبُيُوتِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إضَافَةُ مِلْكٍ، وَإِضَافَةُ الْبُيُوتِ إلَى الْأَزْوَاجِ إضَافَةُ مَحَلٍّ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا الْإِذْنَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْإِذْنُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَالِكِ، وَبِدَلِيلِ