الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: ثَبَتَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَانَ فِيهِ أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ رُدَّ إلَيْهِمْ، وَمَنْ ذَهَبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمُشْرِكِينَ لَمْ يُرَدَّ؛ وَتَمَّ الْعَهْدُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ أَبَا بَصِيرٍ عُتْبَةَ بْنَ أُسَيْدِ بْنَ حَارِثَةَ الثَّقَفِيَّ حِينَ قَدِمَ، وَقَدِمَ أَيْضًا نِسَاءٌ مُسْلِمَاتٌ مِنْهُنَّ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَسُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ، وَغَيْرُهُمَا، فَجَاءَ الْأَوْلِيَاءُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلُوهُ رَدَّهُنَّ عَلَى الشَّرْطِ، وَاسْتَدْعَوْا مِنْهُ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرِّجَالِ لَا فِي النِّسَاءِ»، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَبَضَ أَلْسِنَتَهُمْ عَنْ أَنْ يَقُولُوا: غَدَرَ مُحَمَّدٌ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ، وَذَلِكَ إحْدَى مُعْجِزَاتِهِ.
مَسْأَلَة قَوْلُهُ تَعَالَى فَامْتَحِنُوهُنَّالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: {فَامْتَحِنُوهُنَّ} الممتحنة: 10: اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الِامْتِحَانِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْيَمِينُ رَوَاهُ أَبُو نَصْرٍ الْأَسَدِيُّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ
«قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسُبَيْعَةَ وَكَانَ زَوْجُهَا صَيْفِيَّ بْنَ السَّائِبِ: بِاَللَّهِ مَا أَخْرَجَك مِنْ قَوْمِك ضَرْبٌ وَلَا كَرَاهِيَةٌ لِزَوْجِك، وَلَا أَخْرَجَك إلَّا حِرْصٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَرَغْبَةٌ فِيهِ، لَا تُرِيدِينَ غَيْرَهُ».
الثَّانِي: وَهُوَ مَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْتَحِنُ النِّسَاءَ بِهَذِهِ الْآيَةِ».
مَسْأَلَة الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ لَمْ تُرَدَّ النِّسَاءُالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ لَمْ تُرِدْ النِّسَاءُ وَإِنْ دَخَلْنَ فِي عُمُومِ الشَّرْطِ، وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لِرِقَّتِهِنَّ وَضَعْفِهِنَّ.
الثَّانِي: لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} الممتحنة: 10 وَالْمَعْنَيَانِ صَحِيحَانِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُعَلَّلَ الْحُكْمُ بِعِلَّتَيْنِ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.