مَسْأَلَةٌ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْخَطَّالْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَالَ أَبُو الْمُنْذِرِ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ: أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْخَطَّ نَفَرٌ مِنْ طَيِّئٍ، وَهُمْ صُوَارُ بْنُ مُرَّةَ؛ وَيُقَالُ مِرَارُ بْنُ مُرَّةَ، وَأَسْلَمُ بْنُ سُدْرَةَ، وَعَامِرُ بْنُ خُدْرَةَ
فَسَارُوا إلَى مَكَّةَ، فَتَعَلَّمَهُ مِنْهُمْ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَهِشَامُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، ثُمَّ أَتَوْا الْأَنْبَارَ فَتَعَلَّمَهُ نَفَرٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَتَوْا الْحِيرَةَ، فَعَلَّمُوهُ جَمَاعَةً، مِنْهُمْ: سُفْيَانُ بْنُ مُجَاشِعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَارِمٍ، وَوَلَدُهُ، يُسَمَّوْنَ بِالْكُوفَةِ بَنِي الْكَاتِبِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْكَلْبِيُّ مُتَّهَمٌ لَا يُؤَثِّرُ نَقْلُهُ، وَلَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِهِ مِنْ طَرِيقٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهَا أَنَّ اللَّهَ عَلَّمَ الْخَطَّ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَنَقَلَهُ الْكَافَّةُ فَالْكَافَّةُ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْعَرَبِ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ نَقَلَ الْخَطَّ إلَى بِلَادِ الْعَرَبِ فُلَانٌ. وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْخَطَّ فُلَانٌ، فَالْخَطُّ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْقُولٌ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ طَيِّئٍ بِمَا لَا يُحْصَى مِنْ السِّنِينَ عَدَدًا، فَأَمَّا وَضْعُهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْبٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَالسُّرْيَانِيَّ وَالْمُسْنَدَ، وَهُوَ كِتَابُ حِمْيَرَ، كَتَبَهُ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَوَضَعَهَا فِي الطِّينِ وَطَبَخَهَا فَلَمَّا أَصَابَ الْأَرْضَ الْغَرَقُ، وَانْجَلَى، وَخَلَقَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقٍ وَجَدَتْ كُلُّ أُمَّةٍ كِتَابَهَا، فَأَصَابَ إسْمَاعِيلُ كِتَابَ الْعَرَبِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَضَعَ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ إسْمَاعِيلُ عَلَى لَفْظِهِ وَمَنْطِقِهِ كِتَابًا وَاحِدًا، مِثْلَ الْأُصُولِ فَتَعَرَّفَهُ وَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَرُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ: أَوَّلُ مَا وَضَعَ أَبْجَدِ هَوَّزْ حُطِّي كَلَمُنْ سعفص قَرَشَتْ، وَأُسْنِدَ إلَى عَمْرٍو. وَهَذِهِ كُلُّهَا رِوَايَاتٌ ضَعِيفَةٌ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِيهَا، وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ خَوْضٌ فِيمَا لَا يُعْتَمَدُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ حُكْمٌ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَائِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَإِنَّمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ لِيَعْلَمَ الطَّالِبُ مَا جَرَى، وَيَفْهَمَ مِنْ ذَلِكَ الْأَوْلَى بِالدِّينِ وَالْأَحْرَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إسْمَاعِيلَ إنَّمَا تَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْ جُرْهُمٍ، حَسْبَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ