مَسْأَلَةٌ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مُتَيَمِّمًاالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ تَعَلَّقَ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: لَوْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مُتَيَمِّمًا؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَادَى عَلَيْهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَدْخُلُ فِي الذَّمِّ فِي قَوْلِهِ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} العلق: 9 {عَبْدًا إِذَا صَلَّى} العلق: 10.
وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ هَلْ يَكُونُ فِي صَلَاةٍ إذَا رَأَى الْمَاءَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الذَّمُّ إلَّا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ بَاقِيَةً، وَنَحْنُ قُلْنَا لَهُمْ: إذَا أَمَرْتُمُوهُ بِقَطْعِهَا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فَقَدْ دَخَلْتُمْ فِي الْعُمُومِ الْمَذْمُومِ. قَالُوا: لَا نَدْخُلُ؛ لِأَنَّا نَرْفَعُ الطَّهَارَةَ بِالتُّرَابِ بِمُعَارِضِهَا وَهُوَ رُؤْيَةُ الْمَاءِ.
قُلْنَا: لَا تَكُونُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ مُعَارِضَةً لِلطَّهَارَةِ بِالتُّرَابِ، إلَّا إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ
الْمَاءِ مُقَارِنَةً لِلرُّؤْيَةِ، وَلَا قُدْرَةَ مَعَ الصَّلَاةِ، وَلَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ إلَّا بِرُؤْيَةٍ مَعَ قُدْرَةٍ، فَمَانِعٍ فَبَقِيَتْ الصَّلَاةُ بِحَالِهَا.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَطْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ.
الْآيَةُ الْخَامِسَةُ قَوْله تَعَالَى كَلًّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْْ} العلق: 19: فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ: {وَاسْجُدْ} العلق: 19 فِيهَا طَرِيقَةُ الْقُرْبَةِ، فَهُوَ يَتَأَكَّدُ عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، لَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُجُودَ الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سُجُودُ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِهِ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} العلق: 9 {عَبْدًا إِذَا صَلَّى} العلق: 10 إلَى قَوْلِهِ: (كَلًّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)، لَوْلَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَجَدْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} الانشقاق: 1 وَفِي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} العلق: 1 سَجْدَتَيْنِ»، فَكَانَ هَذَا نَصًّا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ.