مُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَمْ تَتَرَبَّصْ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الشَّرْعِ " فَجَرَى الْخَبَرُ عَلَى لَفْظِهِ، وَثَبَتَ كَلَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى صِدْقِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّرَبُّصِ بِالْقُرْءِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: التَّرَبُّصُ: هُوَ الِانْتِظَارُ، وَمُتَعَلَّقُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: النِّكَاحُ، وَالطِّيبُ وَالتَّنَظُّفُ، وَالتَّصَرُّفُ وَالْخُرُوجُ.
أَمَّا النِّكَاحُ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِلَحْظَةٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ.
الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ الطُّهْرِ مِنْ النِّفَاسِ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْأَوْزَاعِيِّ.
وَقَدْ كَانَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ظَاهِرًا لَوْلَا حَدِيثُ «سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ أَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ حَلَلْت، فَانْكِحِي مَنْ شِئْت» صَحَّتْ رِوَايَةُ الْأَئِمَّةِ لَهُ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَمَا صَحَّ رَأْيُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي آخِرِ الْأَجَلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ إذَا وُضِعَ فَقَدْ سَقَطَ الْأَجَلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} الطلاق: 4 وَسَقَطَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ لِأَجَلِهِ الْأَجَلُ، وَهُوَ مَخَافَةُ شَغْلِ الرَّحِمِ؛ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الْأَشْهُرِ؟ وَإِذَا تَمَّتْ الْأَشْهُرُ وَبَقِيَ الْحَمْلُ فَلَيْسَ يَقُولُ أَحَدٌ: إنَّهَا تَحِلُّ؛ وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ حَدِيثَ سُبَيْعَةَ جَلَاءٌ لِكُلِّ غُمَّةٍ، وَعَلَا عَلَى كُلِّ رَأْيٍ وَهِمَّةٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ فَيَرُدُّهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} الطلاق: 4 وَلَمْ يَشْتَرِطْ الطَّهَارَةَ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} الطلاق: 4