أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّاسَ لَمَّا كَانُوا يَتَعَامَلُونَ حَتَّى لَا يَشِذَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ الْمُعَامَلَةِ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُ وَمَنْ لَا يَكْتُبُ، أَمَرَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ يُتَّهَمُ فِي الْكِتَابَةِ لِلَّذِي عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ، شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَاتِبًا يَكْتُبُ بِالْعَدْلِ، لَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ وَلَا فِي قَلَمِهِ هَوَادَةٌ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُالْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} البقرة: 282 فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ؛ قَالَهُ الشَّعْبِيُّ.
الثَّانِي: أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكَاتِبِ فِي حَالِ فَرَاغِهِ؛ قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ نَدْبٌ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ قَالَهُ الضَّحَّاكُ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَمْرُ إرْشَادٍ؛ فَلَا يَكْتُبُ حَتَّى يَأْخُذَ حَقَّهُ.
مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُالْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} البقرة: 282 قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّمَا أَمْلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ الْمُقِرُّ بِهِ الْمُلْتَزِمُ لَهُ، فَلَوْ قَالَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ: لِي كَذَا وَكَذَا لَمْ يَنْفَعْ حَتَّى يُقِرَّ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَإِلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»، عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} البقرة: 228