الْآيَة الثَّانِيَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينََ} البقرة: 43
كَانَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالرُّكُوعِ أَمْرٌ بِمَعْلُومٍ مُتَحَقِّقٍ سَابِقٍ لِلْفِعْلِ بِالْبَيَانِ، وَخَصَّ الرُّكُوعَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَثْقَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ. وَقِيلَ: إنَّهُ الِانْحِنَاءُ لُغَةً، وَذَلِكَ يَعُمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ
، وَقَدْ كَانَ الرُّكُوعُ أَثْقَلَ شَيْءٍ عَلَى الْقَوْمِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَى أَلَّا أَخُرَّ إلَّا قَائِمًا، فَمَنْ تَأَوَّلَهُ: عَلَى أَلَّا أَرْكَعَ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ الْإِسْلَامُ مِنْ قَلْبِهِ اطْمَأَنَّتْ بِذَلِكَ نَفْسُهُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ فِي كُلِّ دِينٍ مِنْ الْأَدْيَانِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} مريم: 55 ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ مِقْدَارَ الْجُزْءِ الَّذِي يَلْزَمُ بَذْلُهُ مِنْ الْمَالِ.
وَالزَّكَاةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ النَّمَاءِ، يُقَالُ: زَكَاةُ الزَّرْعِ إذَا نَمَا، وَمَأْخُوذَةٌ مِنْ الطَّهَارَةِ، يُقَالُ: زَكَاةُ الرَّجُلِ، إذَا تَطَهَّرَ عَنْ الدَّنَاءَاتِ.
الْآيَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْْ} البقرة: 59
قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: قِيلَ لَهُمْ قُولُوا حِطَّةٌ، فَقَالُوا: سقماثاه أزه هَذَبًا، مَعْنَاهُ حَبَّةٌ مَقْلُوَّةٌ فِي شَعْرَةٍ مَرْبُوطَةٍ، اسْتِخْفَافًا مِنْهُمْ بِالدِّينِ وَمُعَانَدَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَقِّ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ: إنَّ هَذَا الذَّمَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَبْدِيلَ الْأَقْوَالِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ.