وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا؛ هَلْ يُؤْخَذُ صَيْدُهَا مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ الْحَدِيثِ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُؤْخَذُ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ: {مُكَلِّبِينَ} المائدة: 4.
وَالتَّكْلِيبُ هُوَ التَّضْرِيَةُ بِالشَّيْءِ وَالتَّسْلِيطُ عَلَيْهِ لُغَةً، وَهَذَا يَعُمُّ كُلَّ مُعَلَّمٍ مُكَلَّبٍ ضَارٍ. وَقَالَ: أُخِذَ مِنْ الْحَدِيثِ، وَرَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ صَيْدِ الْبَازِي، فَقَالَ: مَا أَمْسَكَ عَلَيْك فَكُلْ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، فَعَلَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَكْلَ فِي صَيْدِ الْبَازِي عَلَى مَا عَلَّقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْأَكْلَ فِي صَيْدِ الْكَلْبِ، وَهُوَ الْأَكْلُ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْك حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ.
مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} المائدة: 4 اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَأْتِ لِبَيَانِ التَّحْلِيلِ فِي الْمُعَلَّمِ مِنْ الْجَوَارِحِ الْأَكْلَ، وَإِنَّمَا مَسَاقُهَا تَحْلِيلُ صَيْدِهِ، وَقَالُوا فِي تَأْوِيلِهِ: أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ. فَحَذَفَ " صَيْدَ " وَهُوَ الْمُضَافُ، وَأَقَامَ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ، وَاَلَّذِي عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} المائدة: 4. وَقَدْ تَدْخُلُ الْفَاءُ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَقَائِلَةٍ خَوْلَانَ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ
... وَأُكْرُومَةُ الْحَيَّيْنِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا
وَقَدْ حَقَّقْنَا ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ مُلْجِئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ ". الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} المائدة: 4 عَامٌّ بِمُطْلَقِهِ فِي كُلِّ مَا أَمْسَكَ الْكَلْبُ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ خَاصٌّ بِالدَّلِيلِ فِي كُلِّ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ مِنْ جِنْسٍ كَالظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ وَالْحُمُرِ، أَوْ مِنْ جُزْءٍ كَاللَّحْمِ وَالْجِلْدِ دُونَ الدَّمِ. وَهَذَا عُمُومٌ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ بِدَلِيلٍ سَابِقٍ لَهُ.