لَلَزِمَ مَسْحُ جَمِيعِهِ: مَا عَلَيْهِ شَعْرٌ مِنْ الرَّأْسِ، وَمَا فِيهِ الْعَيْنَانِ وَالْأَنْفُ وَالْفَمُ؛ وَهَذَا انْتِزَاعٌ بَدِيعٌ مِنْ الْآيَةِ. وَقَدْ أَشَارَ مَالِكٌ إلَى نَحْوِهِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الَّذِي يَتْرُكُ بَعْضَ رَأْسِهِ فِي الْوُضُوءِ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ تَرَكَ بَعْضَ وَجْهِهِ أَكَانَ يُجْزِئُهُ؟ وَمَسْأَلَةُ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ مُعْضِلَةٌ، وَيَا طَالَمَا تَتَبَّعْتهَا لِأُحِيطَ بِهَا حَتَّى عَلَّمَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ إيَّاهَا؛ فَخُذُوهَا مُجْمَلَةً فِي عِلْمِهَا، مُسَجَّلَةً بِالصَّوَابِ فِي حُكْمِهَا؛ وَاسْتِيفَاؤُهَا فِي كُتُبِ الْمَسَائِلِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إنْ مَسَحَ مِنْهُ شَعْرَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ.
الثَّانِي: ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ.
الثَّالِثُ: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ. ذَكَرَ لَنَا هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ فِي الدَّرْسِ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
الرَّابِعُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَمْسَحُ النَّاصِيَةَ.
الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ الْفَرْضَ أَنْ يَمْسَحَ الرُّبْعَ.
السَّادِسُ: قَالَ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ الثَّالِثَةِ: لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَمْسَحَ النَّاصِيَةَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَرْبَعٍ.
السَّابِعُ: يَمْسَحُ الْجَمِيعَ؛ قَالَهُ مَالِكٌ.
الثَّامِنُ: إنْ تَرَكَ الْيَسِيرَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَجْزَأَهُ؛ أَمْلَاهُ عَلَيَّ الْفِهْرِيُّ.
التَّاسِعُ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: إنْ تَرَكَ الثُّلُثَ أَجْزَأَهُ.
الْعَاشِرُ: قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: إنْ مَسَحَ ثُلُثَهُ أَجْزَأَهُ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ أَشْهَبُ: إنْ مَسَحَ مُقَدِّمَةً أَجْزَأَهُ.
فَهَذِهِ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا، وَمَنْزِلَةُ الرَّأْسِ فِي الْأَحْكَامِ مَنْزِلَتُهُ فِي الْأَبْدَانِ، وَهُوَ عَظِيمُ الْخَطَرِ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ وَلِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَطْلَعٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ: