وَالنَّهْيُ دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ عَلَيْهِ، فَالْجَزَاءُ لِأَجْلِ ذَلِكَ مُتَوَجِّهٌ لَازِمٌ ذِمَّتَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} المائدة: 95 وَلَمْ يَذْكُرْ جَزَاءً وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: قُلْنَا: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} المائدة: 95 يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا الْإِسْلَامِ، أَوْ عَمَّا قَبْلَ بَيَانِ الْحُكْمِ؛ فَإِنَّ الْوَاقِعَ قَبْلَهُ عَفْوٌ. وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ عَادَ} المائدة: 95 وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: يَعْنِي فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّلِيلِ الْكَفَّارَةُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَمَادِي التَّحْرِيمِ فِي الْإِحْرَامِ وَتَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ.
وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ الدَّلِيلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} المائدة: 95 يَعْنِي وَهُوَ مُحْرِمٌ، {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} المائدة: 95. وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٌ وَشُرَيْحٌ. وَيُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: نَعَمْ نَحْكُمُ عَلَيْهِ أَفَيُخْلَعُ يَعْنِي يُخْرَجُ عَنْ حُكْمِ الْمُحْرِمِينَ؛ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ: إنَّهُ إذَا قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ حَلَّ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا يُنَافِي عِبَادَةً فِيهَا، فَأَبْطَلَهَا، كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ أَحْدَثَ فِيهَا.
وَدَلِيلُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْجَزَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَسَادَ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كُتُبِ الْمَسَائِلِ مَا يُفْسِدُ الْحَجَّ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ، فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ الْحَجِّ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ شَرْطًا وَوَصْفًا وَوَضْعًا فِي الْأَصْلِ، فَلَا يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ بِحَالٍ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ، كَمَا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْمُعَلَّيْ