الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مُقَدَّمٌ، تَقْدِيرُهُ فَالْأَوْلَيَانِ آخَرَانِ.
وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا هُوَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمُلْجِئَةِ، وَأَكْمَلْنَا تَقْدِيرَ الْآيَةِ فِيهِ.
وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ الْأَوَّلَيْنِ وَهُوَ حَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ فَيُرْجَعُ إلَى الْأَوَّلَيْنِ، وَهُوَ حَسَنٌ.
وَقَرَأَ حَفْصٌ اسْتَحَقَّ بِمَعْنَى حَقَّ عَلَيْهِمْ.
وَمِنْ الْغَرِيبِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: {عَلَيْهِمُ} المائدة: 107 فَقِيلَ فِيهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} البقرة: 102 أَيْ فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ. وَهَذَا كَثِيرٌ.
وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} المطففين: 2.
وَهَذِهِ دَعَاوَى وَضَرُورَاتٌ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا، وَلَا يَصِحُّ مُرَادُهُمْ فِي بَعْضِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ مِنْهَا.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْنَى الْأَوْلَيَانِ
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْأَوْلَى بِالشَّهَادَةِ.
الثَّانِي: قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: الْأَوْلَى بِالْمَيِّتِ مِنْ الْوَرَثَةِ.
الثَّالِثُ: الْأَوْلَى بِتَحْلِيفِ غَيْرِهِ؛ قَالَهُ ابْنُ فُورَكٍ؛ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الثَّانِي، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ.
يَمِينَ الْحَالِفِ لَا تَكُونُ إلَّا بِلَفْظِ الدَّعْوَىالْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْله تَعَالَى: {لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا} المائدة: 107
الْمَعْنَى: لَقَوْلُنَا أَحَقُّ مِنْ قَوْلِهِمَا.
وَهَذَا الْقَوْلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، وَأَنَّ يَمِينَ الْحَالِفِ لَا تَكُونُ إلَّا بِلَفْظِ الدَّعْوَى. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ إذَا كَانَتْ بِإِنَّ قَوْلِي أَصْدَقُ مِنْ قَوْلِك رُبَّمَا وَرَدَ فِي يَمِينِهِ، بِأَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ قَدْ كَذَبَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكَذَبَ هُوَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَيَلْزَمُ التَّصْرِيحُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْكَذِبَ، وَتَحْصُلُ الْمُجَاهَرَةُ إنْ خَالَفَ، لِيَأْتِيَ بِالصِّدْقِ