وقد تكلمنا على الحديث في سورة النساء (1) والقصص (2) بما يتعلق بالقرآن منه، واستوفيناه في شرح الحديث، وهذا هو المقدار منه في ذكر الموهوبة الذي صح نقله وثبت سنده.
والغرض الأعظم منه ها هنا هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قالت له المرأة: "قَدْ وَهَبْت لَكَ نَفْسِي" سكت، فلو كان هذا مما لا يجوز، لما سكت عليه؛ لأن سكوته على الحرام محال كما بيناه في "أصول الفقه" (3).
فإما أن يكون سكت لأن الآية قد كانت نزلت بالإِحلال، وإما أن يكون سكوته منتظراً بياناً، فنزلت عليه الآية والبيان بالإِحلال والتخيير، فاختار تركها، وزوجها من غيره.
وروى مسلم (4) عن عائشة أنها قالت: كنْت أغَارُ عَلَى اللَائِي وَهَبْنَ أنْفسَهُنَّ لِرسولِ الله، قَالَتْ: أمَا تَسْتَحِي امْرَأةٌ أنْ تَهَبَ نَفْسَهَا؟. = مواضع أخرى، ومسلم في النكاح: 2/ 1040 رقم: 1425، وأبو داود في النكاح: رقم: 2111، والترمذي في النكاح: رقم: 1114، والنسائي في النكاح: 6/ 113، كلهم عن سهل بن سعد الساعدي. وانظر الدارمي في سننه: 2/ 65، وابن الجارود في المنتقى: 716، والطحاوي في مشكل الآثار: 2/ 9، والبيهقي في السنن: 7.
(1) صفحة: 387 من أحكام القرآن.
(2) صفحة: 1467 من أحكام القرآن.
(3) قال المؤلف في المحصول في علم الأصول: 47/ ب.
"إذا سكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول سمعه، أو فعل عاينه، كان دليلاً على أنه حق، ولا خلاف فيه بين العلماء".
(4) في "صحيحه" كتاب الرضاع، باب القسم بين الزوجات، وبيان أن السنة أن تكون لكل واحدة ليلة مع يومها، 2/ 1085، رقم: 1464.
ومسلم أشهر من أن يعرف، انظر في ترجمته: ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل: 8/ 182، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد: 13/ 100، الذهبي: سير أعلام النبلاء: 12/ 557، ابن حجر: التهذيب: 10/ 126.