أستحسنه، لأن البعوضة غاية في الصغر، فأحب إلى أن أجعل «فما فوقها» أكبر منها.
ألا ترى أنك تقول: تعطى من الزكاة الخمسون فما دونها، والدرهم فما فوقه، ويضيق الكلام أن تقول: فوقه فيهما، أو دونه فيهما. وموضع حسنها في الكلام أن يقول القائل: إن فلاناً لشريف. فيقول السامع:
وفوق ذلك يريد المدح. أو يقول: إنه لبخيل. فيقول: وفوق ذلك. يريد بكليهما معنى أكبر. فإذا عرفت الرجل فقلت: دون ذاك فكأنك تحطه عن غاية الشرف، أو غاية البخل.
/ ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) «1» أي: بأن تذبحوا، لأن «أمر» فعل يتعدى إلى مفعولين، الثاني منهما بالباء دليله (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) «2» .
ومثله: (أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ) «3» أي: من أن أكون.
ومثله: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) «4» أي: في أن يؤمنوا لكم.
ومن ذلك قوله تعالى: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ) «5» أي: بغيا لأن ينزل الله، فإن «ينزل الله» متعلق ب «بغيا» بواسطة حرف الجر. و «بغيا» مفعول له، و «أن يكفروا» رفع مخصوص بالذم. و «ما اشتروا» ، «ما» يجوز أن يكون نصباً على تقدير:
بئس شيئا ويجوز أن يكون رفعا على تقدير: بئس الذي اشتروا به.