قال: ذكر المُزَنِيُّ أن الشافعي أخذ بيده فقال:
أُحِبُّ من الإخوان كُلَّ مُوَاتِ … وكلَّ غَضِيضِ الطّرْفِ عن عَثَراتي
يصاحبني في كلّ أمرٍ أحبُّه … ويحفظني حيًّا وبعد وفاتي
فَمنْ لي بهذا ليت أَنِّي أصبْتُه … فقاسمته مالي مع الحسناتِ (١)
وأخرج البيهقي عن المُزَنِيِّ أنه قال: قال لي الشافعي -رضي الله عنه-: «يا أبا إبراهيم: العلم جهل عند أهل الجهل، كما أن الجهل جهل عند أهل العلم»، قال المُزَنِيُّ: وأنشأ لنفسه:
ومَنْزِلة الفقيه من السفيهِ … كمَنْزِلَة السفيه من الفقيهِ
فهذا زاهد في قرب هذا … وهذا فيه أزهدُ منه فيهِ (٢)
وهكذا بدأت رحلة المُزَنِيِّ مع الشافعي حتى صار فقيهًا راجح المعرفة، غوَّاصًا على المعاني الدقيقة، عارفًا باختلاف فقهاء الأمصار واتفاقهم، مناظِرًا مِحْجَاجًا متصرِّفًا بأصول الأدلة وقواعد الاستنباط، لكنَّ المُزَنِيَّ لم يقتصر على الشافعي وحده في التفقُّه، فللمُزَنِيِّ مشايخُ غير الشافعي ينتسبون إلى مدارس مختلِفة.
فمن شيوخه في فقه أهل الكوفة: شيخ الحنفية أبو محمد علي بن معبد بن شدَّاد العبدي الرَّقِّيُّ (ت ٢١٨ هـ)، تفقَّه على محمد بن الحسن وروى عنه جامعه الكبير والصغير (٣)، وقد روى المُزَنِيُّ عنه في «المختصر» في موضعين (ف: ٣٤٩٦، و ٣٦٨٧). وأخرج الخطيب البغدادي عن المُزَنِيِّ قال: نا علي بن معبد، نا عبيدالله بن عمرو، قال: «كُنَّا عند الأعمش وهو يسأل
(١) انظر «المناقب» للبيهقي (٢/ ٧٩).
(٢) انظر «المدخل» (٢/ ٧٨٧)، وأخرجه كذلك الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقِّه» (٢/ ١٤٩).
(٣) انظر «سير أعلام النبلاء» (١٠/ ٦٣١).