وقد زعم بعض من لا فهم له أن هذا الأمر أقر على هذا في حق أرباب المعاصي من المسلمين، ونسخ حكمه في حق الكفار بقوله: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ النساء: 18، وهذا ليس بشيء؛ فإن حكم الفريقين واحد.
ذكر الآية العاشرة: قوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ النساء: 22 هذا كلام محكم عند عامة العلماء ومعنى قوله: إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ أي: بعد ما قد سلف في الجاهلية، فإن ذلك معفو عنه.
وزعم بعض من قلّ فهمه أن الاستثناء نسخ ما قبله. وهذا تخليط لا حاصل له ولا يجوز أن يلتفت إليه من جهتين:
الأول: أن الاستثناء ليس بنسخ.
والثاني: أن الاستثناء عائد إلى مضمر تقديره: فإن فعلتم عوقبتم إلا ما قد سلف، فإنكم لا تعاقبون عليه، فلا معنى للنسخ هاهنا.
ذكر الآية الحادية عشر: قوله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ النساء: 23 وهذه حكمها حكم التي قبلها. وقد زعم الزاعم هناك: أن هذه كتلك في أن الاستثناء ناسخ لما قبله، وقد بينا رذولة هذا القول.
ذكر الآية الثانية عشر: قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ النساء: 24، وقد ذكر في هذه الآية موضعان منسوخان:
الأول: قوله: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ، هذا عند عموم العلماء لفظ عام دله التخصيص بنهي النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها» (1). وليس هذا على سبيل النسخ. وقد ذهب قوم لا فقه لهم إلى أن التحليل المذكور في الآية منسوخ بهذا الحديث، وهذا إنما يأتي من عدم فهم الناسخ والمنسوخ والجهل بشرائطه وقلة المعرفة بالفرق بين التخصيص والنسخ.
وأما الموضع الثاني: فقوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ النساء: 24 اختلف العلماء في المراد بهذا الاستمتاع على قولين:
الأول: أنه النكاح والأجور المهور، وهذا مذهب ابن عباس ومجاهد والجمهور.