ليلة. وهذا قول ابن عباس، وقتادة والضحاك، وإنما كان هذا الأجل خمسين ليلة؛ لأن هذه الآيات نودي بها يوم عرفة، وقيل يوم النحر.
والثاني: أنها للمشركين كافة من له عهد ومن ليس له عهد، قاله مجاهد والقرطبي والزهري (1).
والثالث: أنها أجل من كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قد أمنه أقل من أربعة أشهر، وكان أمانه غير محدود، فأما من لا أمان له فهو حرب، قاله ابن إسحاق.
والرابع: أنها أمان لمن لم يكن له أمان ولا عهود، فأما أرباب العهد فهم على عهودهم قاله ابن السائب. ويؤكده أن عليا عليه السّلام نادى يومئذ: «ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد، فعهده إلى مدته».
وقوله: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ قال الحسن: يعني الأشهر التي قيل لهم فيها:
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. وعلى هذا البيان فلا نسخ أصلا.
وقد قال بعض المفسرين: المراد بالأشهر الحرم: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وهذا كلام غير محقق؛ لأن المشركين إنما قيل لهم: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ في ذي الحجة، فمن ليس له عهد يجوز قتله بعد المحرم، ومن له عهد فمدته آخر عهده فليس لذكر رجب هاهنا معنى.
ذكر الآية الثانية: قوله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ التوبة: 5 قد ذكروا في هذه الآية ثلاثة أقوال:
الأول: أن حكم الأسارى كان وجوب قتلهم ثم نسخ بقوله: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً محمّد: 4 قاله الحسن، وعطاء والضحاك في آخرين، وهذا يرده قوله:
وَخُذُوهُمْ التوبة: 5 والمعنى ائسروهم.
والثاني: بالعكس فإنه كان الحكم في الأسارى، أنه لا يجوز قتلهم صبرا، وإنما يجوز المن أو الفداء، بقوله: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ثم نسخ ذلك بقوله:
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ. قاله مجاهد وقتادة.
والثالث: أن الآيتين محكمتان، لأن قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ أمر بالقتل وقوله: وَخُذُوهُمْ أي: ائسروهم، فإذا حصل الأسير في يد الإمام فهو مخير إن شاء من عليه وإن شاء فاداه، وإن شاء قتله صبرا، أي ذلك رأى فيه المصلحة