فاقتضى هذا الكلام إباحة حلق الشعر عند الأذى مع الفدية وصار ناسخا لتحريمه المتقدم.
قلت: وفي هذا بعد من وجهين:
الأول: أنه يحتاج أن يثبت أن نزول قوله: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً تأخّر عن نزول أول الآية، ولا يثبت هذا. والظاهر نزول الآية في مرة، بدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«أتجد شاة» والشاة هي النسك المذكور في قوله: أَوْ نُسُكٍ.
والثاني: إنا لو قدرنا نزوله متأخرا فلا يكون نسخا، لأنه قد بان بذكر العذر أن الكلام الأول لمن لا عذر له، فصار التقدير: ولا تحلقوا رءوسكم إلا أن يكون منكم مريض أو من يؤذيه هوامه، فلا ناسخ ولا منسوخ.
ذكر الآية الثانية والعشرين: قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ البقرة: 215.
اختلفوا: هل هذه منسوخة أم محكمة؟ روى السّدّي عن أشياخه أنه يوم نزلت هذه لم تكن زكاة، وإنما هي نفقة الرجل على أهله، والصدقة يتصدقون بها فنسختها الزكاة (1).
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نسخت هذه بآية الصدقات في براءة.
وروى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نسخ منها الصدقة على الوالدين، وصارت الصدقة لغيرهم الذين لا يرثون من الفقراء والمساكين والأقربين.
وقد قال الحسن البصري: والمراد بها التطوع على من لا يجوز إعطاؤه الزكاة؛ كالوالدين والمولودين، وهي غير منسوخة.
وقال ابن زيد: هي في النوافل وهم أحق بفضلك.
قلت: من قال بنسخها ادّعى أنه وجب عليهم أن ينفقوا فسألوا عن وجوه الإنفاق فدلّوا على ذلك، وهذا يحتاج إلى نقل، والتحقيق أن الآية عامة في الفرض والتطوع، فحكمها ثابت غير منسوخ، لأن ما يجب من النفقة على الوالدين والأقربين إذا كانوا فقراء لم ينسخ بالزكاة، وما يتطوّع به لم ينسخ بالزكاة. وقد قامت الدلالة على أن الزكاة لا تصرف إلى الوالدين والولد، وهذه الآية بالتطوع أشبه، لأن