قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ) : الْأَصْلُ «لَا» زِيدَتْ عَلَيْهَا التَّاءُ، كَمَا زِيدَتْ عَلَى رُبَّ، وَثُمَّ: فَقِيلَ رُبَّتَ وَثُمَّتْ.
وَأَكْثَرُ الْعَرَبِ يُحَرِّكُ هَذِهِ التَّاءَ بِالْفَتْحِ؛ فَأَمَّا فِي الْوَقْفِ فَبَعْضُهُمْ يَقِفُ بِالتَّاءِ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَيْسَتْ مَوْضِعَ تَغْيِيرٍ، وَبَعْضُهُمْ بِالْهَاءِ كَمَا يَقِفُ عَلَى قَائِمَةٍ.
فَأَمَّا «حِينَ» فَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ خَبَرُ لَاتَ، وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ؛ لِأَنَّهَا عَمِلَتْ عَمَلَ لَيْسَ؛ أَيْ لَيْسَ الْحِينُ حِينَ هَرَبٍ. وَلَا يُقَالُ: هُوَ مُضْمَرٌ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَا يُضْمَرُ فِيهَا.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ الْعَامِلَةُ فِي بَابِ النَّفْيِ، فَحِينَ اسْمُهَا، وَخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ؛ أَيْ لَا حِينَ مُنَاظِرٌ لَهُمْ، أَوْ حِينُهُمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْفَعُ مَا بَعْدَهَا، وَيُقَدِّرُ الْخَبَرَ الْمَنْصُوبَ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لَا بَرَاحُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: التَّاءُ مَوْصُولَةٌ بِحِينَ لَا بِلَا، حَكَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: تَحِينُ وَتَلَانُ
وَأَجَازَ قَوْمٌ جَرَّ مَا بَعْدَ «لَاتَ» وَأَنْشَدُوا عَلَيْهِ أَبْيَاتًا، وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ ذَلِكَ فِي عِلَلِ الْإِعْرَابِ الْكَبِيرِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)) .قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنِ امْشُوا) : أَيِ امْشُوا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: انْطَلَقُوا فِي الْقَوْلِ.
وَقِيلَ: هُوَ الِانْطِلَاقُ حَقِيقَةً، وَالتَّقْدِيرُ: وَانْطَلَقُوا قَائِلِينَ: امْشُوا.
قَالَ تَعَالَى: (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)) .قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلْيَرْتَقُوا) : هَذَا كَلَامٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى؛ أَيْ إِنْ زَعَمُوا ذَلِكَ فَلْيَرْتَقُوا.