قوله عز وجل: {مِنْكُمْ} محله النصب على الحال من المستكن في {يَكْفُرْ}.
{عَذَابًا}: اسم واقع موقع المصدر الذي هو التعذيب، والهاء في {لَا أُعَذِّبُهُ} للمصدر كما تقول: ظننته زيدًا قائمًا.
فإن قلت: لم زعمت أن العذاب اسم واقع موقع المصدر، وهلا تركته على حاله وهو ما يُعَذَّب به؟ قلت: لوجهين:
أحدهما: أن الفعل الذي هو {أُعَذِّبُهُ} قد استوفى مفعوله.
والثاني: لو كان المراد بالعذاب ما يُعَذَّبُ به دون التعذيب لم يكن بُدٌّ من الجار، ولقيل: لا أُعذبُ به أحدًا من العالمين.
فإن قلت: ما محل قوله: {لَا أُعَذِّبُهُ}؟ قلت: النصب على أنها صفة لقوله: {عَذَابًا}. فإن قلت: فأين الراجع من الصفة إلى الموصوف؟ قلت: قيل: لما كان الضمير في {لَا أُعَذِّبُهُ} للمصدر الذي هو التعذيب، والمصدر جنس، و {عَذَابًا} نكرة كان الأول داخلًا في الثاني، والثاني مشتمل على الأول كاشتمال الرجل على زيد في قولك: زيد نعم الرجل (1).
وقد جوز أن يكون الضمير في {لَا أُعَذِّبُهُ} لـ (مَن) على أن يكون في الكلام حذف مضاف، أي: مِثلَ تعذيبه (2)، كقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} (3)، على ما ستراه موضحًا في مكانه إن شاء الله سبحانه.
{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)}: