رجل، وبينهما فرق عظيم، وذلك أن (مِن) في قولك: ما جاءني مِن أحد زائدة لفظًا ومعنى، وفي قولك: ما جاء من رجل زائدة لفظًا لا حكمًا، وهو معنى قول المحققين من النحاة: هو زائد من وجه، غير زائد من وجه، فاعرفه فإن فيه أدنى غموض، وفيه كلام لا يليق ذكره هنا.
وفي {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} للتبعيض؛ لأن الأول خرج مخرج عموم الآيات، كأنه قيل: أيُّ آيةٍ أتتهم هي بعض آيات ربهم؟
فإن قلت: ما محل {مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ}؟ قلت: أما الأولى فمحلها الرفع على الفاعلية، وأما الثانية فصفة للأولى، وإن حملتها على اللفظ كان محلها الجَرَّ، وإن حملتها على الموضع كان محلها الرفع، ونظيرهما: {مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (1)، وغيرِه.
{فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)}:
قوله عز وجل: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} قيل: هو مردود على كلام محذوف، كأنه قيل: إن كانوا معرضين عن الآيات فقد كذبوا بما هو أعظمُ آيةٍ وأكبرها وهو الحق (2).
{لَمَّا جَاءَهُمْ} يعني القرآن المعجز، و {لَمَّا} ظرف لـ {كَذَّبُوا}.
وقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (ما) موصول، و {بِهِ}: متعلق بـ {يَسْتَهْزِئُونَ}، أي: فسوف يأتيهم أنباء الشيء الذي كانوا يستهزئون به، وهو القرآن، أي أخباره وأحواله، بمعنى سيعلمون ما يؤول إليه أمرهم واستهزاؤهم.
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ