بذلك ولم يتمنوه، فما تصنع بقوله: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} على الوجه الأول، والثالث؟ وفي أي شيء كُذِّبوا والمتمني لا يُكَذَّبُ، ولا يتعلق التكذيب بالتمني إنما يكون ذلك في الخبر؟
قلت: قيل: هذا تَمَنٍّ قد تضمن معنى العِدَة، فجاز أن يتعلق به التكذيب، كما يقول الرجل: ليت الله يرزقني مالًا فأحسن إليك وأكافئك على صنيعك، فهذا مُتَمَنٍّ في معنى الواعد، فلو رزق مالًا ولم يحسن إلى صاحبه ولم يكافئه كُذِّبَ، كأنه قال: إن رزقني الله مالًا كافأتك على الإِحسان (1).
{بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)}:
قوله عز وجل: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ} (ما) بمعنى الذي في موضع رفع بـ {بَدَا}.
وقوله: {وَلَوْ رُدُّوا} أي: إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار؛ {لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} من الكفر والمعاصي.
{وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)}:
قوله عز وجل: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} فيه وجهان:
أحدهما: عطف على {لَعَادُوا} (2)، أي: ولو رُدُّوا لكفروا ولقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا، كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة.
والثاني: عطف على قوله: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (3)، على معنى: وإنهم لقوم كاذبون في كل شيء، وهم الذين قالوا: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}