قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} (خلائف) جمع خليفة كسفينة وسفائن، وقد ذكر فيما سلف (1)، وفيه وجهان:
أحدهما: أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خلفت سائر الأمم؛ لأنهم آخرهم (2).
والثاني: أن كلَّ أمةٍ تَخْلُفُ من كان قبلهم (3).
وقوله: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} (درجات) يحتمل أن يكون ظرفًا لـ {رَفَعَ}، وأن يكون مفعولًا على إرادة الجار، أي: إلى درجات. والمعنى: فضَّل بعضكم على بعض في الشرف والرزق، ليختبركم فيما أعطاكم من نعمة الجاه والمال كيف تشكرون تلك النعمة؟ وكيف يصنع الشريف بالوضيع، والغني بالفقير؟
واللام في {لِيَبْلُوَكُمْ} من صلة {رَفَعَ}. قال أهلُ التأويل: ولم يزل سبحانه يعلم ذلك من غير اختيار، غير أن الجزاء لا يقع على علمِ الغيب، إنما يقع على الأعمال الواقعة (4).
وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ} لمن عصاه وكفر نعمته، و {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} لمن أطاعه وقام بشكر النعمة.
فإن قلت: كيف قيل: سريع العقاب مع وصفه سبحانه بالإِمهال مع أن عقابه إنما يكون في القيامة، وإن كان قد يقع بعضه في الدنيا؟
قلت: قيل: إنما وصف بالسرعة؛ لأن ما هو آت قريب لا محالة، بدليل قوله: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} (5)، والله أعلم.
هذا آخر إعراب سورة الأنعام
والحمد لله رب العالمين