والثاني: أنه محذوف، كما حذف في قوله: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ} (1)، كأنه قيل: فلما أضاءت ما حوله خَمَدَتْ فبقوا خَابِطِينَ في ظلام متحيِّرين، متحسرين على فَوْتِ الضوء، خائبين بعد الكدح في إحياء النار، ويكون {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} على هذا كلامًا مستأنفًا، والضمير على هذا في قوله: {بِنُورِهِمْ} للمنافقين (2).
والباء في {بِنُورِهِمْ} للتعدية، ألا ترى أنه أوصل الذّهاب إلى المفعول، كما تفعل الهمزة في نحو: أذهبتُ زيدًا، إلا أنه لما أتى بعد الفعل دخل على الاسم، فكان له فيه عمل وهو الجرّ، والهمزة لمَّا دخلت على صدر الفعل ولم تتصل بالاسم لم يكن لها عمل، فنصب الفعلُ الاسمَ، فالباء في ذهبتُ بزيدٍ، جزء من الفعل، وداخل في جملته من وجهٍ؛ لأنه أوصله إلى زيدٍ، وأوقعه عليه في المعنى، ومُتصلٌ بالاسم من وجهٍ آخرَ، وهو أنه داخل عليه لفظًا، والهمزة من جملة الفعل (3) لفظًا ومعنىً.
واعلم أنك إذا قلت: ذهبتُ بزيد، كان على وجهين.
أحدهما: أن تريدَ أنك صاحبته.
والثاني: ألَّا تكون صاحبته، ويكون المعنى: أنك نحيته وأزلته، بمنزلة الهمزة إذا قلت: أذهبتُ زيدًا، فاعرفه.
{وَتَرَكَهُمْ}: معطوف على {ذَهَبَ}، وترك على معنيين:
أحدهما: أن يكون بمعنى طرح وخَلَّى، فيتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ، وهو الهاء والميم في {وَتَرَكَهُمْ}.
و{فِي ظُلُمَاتٍ} يتعلق بترك على أنه ظرف، ويجوز أن يكون حالًا من الهاء والميم فيتعلق بمحذوف، أي: تركهم كائنين، أو مستقرين في ظلمات.