وقوله: {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا أي: فجعلنا زرعها حصيدًا، شبيهًا بما حصد من الزرع في قطعه واستئصاله، وهو فعيل بمعنى مفعول.
وقوله: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} أي: كأن لم تقم أمس، أي: كأن لم تكن، يقال غَنِيَ بالمكان يغنَى بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر غِنىً وغُنْيَةً، إذا أقام به، وهنا فيه وجهان:
أحدهما: في الكلام حذف مضاف تقديره: كأن لم يغن زرعها، أي: لم ينبت فحذف المضاف، تعضده قراءة من قرأ: (كأن لم يغن) بالياء النقط من تحته على أن المنوي فيه للمضاف المحذوف الذي هو الزرع، وهو الحسن (1).
والثاني: على الظاهر من غير تقدير مضاف، على معنى: كأن لم تعمر بالأمس، يعني الأرض، أي: كأن لم تعمر هذه الأرض الموصوفة بالأمس.
والمغاني: المنازل التي يعمرها الناس بالنزول بها، قيل: والأمس مَثَل في الوقت القريب، لا حقيقة أمس الذي قبل يومك، كأنه قيل: كأن لم تغن آنفًا (2).
وقرئ: (كأن لم تَتَغَنَّ) بتاءين بعدهما غين مفتوحة بعدها نون مشددة (3).
قال أبو الفتح: أتى هذا إتيان نظائره، كقولهم: تمتعتُ بكذا، وتَلبَّستُ بالأمر، ونحوهما مما جاء على تفعلت من هذا الحد، انتهى كلامه (4).
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}: