وقوله: {إِلَّا قَلِيلًا
.... مِنْهُمْ} منهم استثناء منقطع، والمعنى: لكن قليلًا منهم مؤمنون، وهم الذين أنجاهم الله تعالى، وهم أتباع الأنبياء، وأهل الحق نُهوا عن الفساد، وسائرهم تاركون للنهي.
قيل: و (مِن) في (مِمن أنجينا) حقها أن تكون للبيان لا للتبعيض، لأنَّ النجاة إنما هي للناهين وحدهم بدليل قوله تعالى: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا} (1).
قيل: فإن قلت: هل لوقوع هذا الاستثناء متصلًا وجه يحمل عليه؟ .
فالجواب: إن جعلته متصلًا على ما عليه ظاهر الكلام كان المعنى فاسدًا؛ لأنه يكون تحضيضًا لِأُولي البقية على النهي عن الفساد إلّا للقليل من الناجين منهم، كما تقول: هلّا قرأ قومك القرآن إلّا الصلحاء منهم، تريد استثناء الصلحاء من المُحضضين على قراءة القرآن.
وإن قلت: في تحضيضهم على النهي عن الفساد معنى نفيه عنهم، فكأنه قيل: ما كان من القرون أولو بقية إلَّا قليلًا، كان استثناء متصلًا ومعنى صحيحًا، وكان انتصابه على أصل الاستثناء، وإن كان الأفصح أن يرفع على البدل (2).
وقوله: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} (ما) موصول في موضع نصب بقوله: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ} لا وفيه وجهان:
أحدهما: عطف على مضمر، والتقدير: إلّا قليلًا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا شهواتِهم.
والثاني: الواو للحال، كأنه قيل: أنجينا القليل، وقد اتبع الذين ظلموا جزاءهم.