الزمخشري: فإن قيل: ما الفرق بين الفاء الأولى والثانية والثالثة؟ فالجواب:
أن الأولى: للتسبيب لا غير، لأن الظلم سبب التوبة.
والثانية: للتعقيب، لأن المعنى: فاعزموا على التوبة، فاقتلوا أنفسكم من قِبَلِ أن الله تعالى جعل توبتهم قتل أنفسهم.
والثالثة: متعلقة بمحذوف، ولا يخلو إما أن ينتظم في قول موسى عليه السلام لهم، فتتعلق بشرطٍ محذوف، كأنه قال: فإن فعلتم فقد تاب عليكم، وإما أن يكون خطابًا من الله لهم على طريقة الالتفات، فيكون التقدير: ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئُكم (1).
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)}:
قوله عز وجل: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} أي: لن نُقِرَّ لك بما أخبرتنا به.
{حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}: أصل (نرى) نَرْأَى، فحُذفت الهمزة بعد نقل حركتها إلى الراء تخفيفًا.
و{جَهْرَةً}: مصدر في موضع الحال إما من الضمير في {نَرَى}، أي: حتى نرى الله معاينين، أو ذَوي جهرة، وإما من المُضمَر في {قُلْتُمْ}، أي: قلتم ذلك مجاهرين، أو ذوي جهرة، ولك أن تجعلَه حالًا من اسم الله عز وجل، أي: حتى نراه ظاهرًا غير مستتر بشيء، كما تقول: رأيتُه جَهْرَةً، وكلمتُه جهرةً.