87-
هُوَ المُجْتَبَى يَغْدُو عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ
... قَرِيباً غَرِيباً مُسْتَمَالاً مُؤَمَّلاَ
المجتبى: المختار، وفي يغدو وجهان: أحدهما أنها جملة مستأنفة، والثاني أنها حال من ضمير المجتبى.
وفي معناها أيضا وجهان: أحدهما أنها من غدا يغدو إذا مر أي أنه يمر بالناس متصفا بهذه الصفات الجليلة المذكورة وهو باين منهم، أي يمر بهم مرورا غير مزاحم لهم على الدنيا ولا مكاثر لهم.
والثاني أنه من غدا بمعنى صار التي من أخوات كان، وعلى الناس خبرها: أي رفع الله تعالى منزلته على الناس وقريبا وما بعده أخبار لها أيضا أو أحوال والمراد بقربه تواضعه أو هو قريب من الله تعالى قرب الرحمة والطاعة وهو غريب في طريقته ومذهبه؛ لقلة أشكاله في التمسك بالحق؛ لأنه كالقابض على الجمر مستمالا أي يطلب منه من يعرف حاله الميل إليه والإقبال عليه، ويؤمل عند نزول الشدائد كشفها بدعائه وبركته أي من جملة صفاته أن يكون مطلوبا للناس لا طالبا لهم بل ينفر منهم بجهده.
88-
يَعُدُّ جَمِيعَ النَّاسِ مَوْلى لِأَنَّهُمْ
... عَلَى مَا قَضَاهُ اللهُ يُجْرُونَ أَفْعَلا
يعد هنا: بمعنى يعتقد ويحسب فلهذا عداها إلى مفعولين، وأفرد مولى؛ لأن "جميع" لفظ مفرد كقوله: {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} 1.
وفي معناه وجهان:
أحدهما أنه أراد يعد كل واحد منهم عند الله تعالى مأمورا مقهورا لا يمك لنفسه نفعا ولا ضرا فلا يرجوهم ولا يخافهم بل يكون اعتماده واتكاله على خالقه أو لا يرى لهم نفعا ولا ضرا؛ لأن أفعالهم تجري على سابق القضاء والقدر.
والثاني أنه أراد سيدا، فلا يحتقر أحدا منهم بل يتواضع لكبيرهم وصغيرهم؛ لجواز أن يكون خيرا منه فإن النظر إلى الخاتمة.
فعلى الأول وصفه بالتوكل وقطع طمعه عن الخلق. وعلى الثاني وصفه بالتواضع وصيانة نفسه عن الكبر والعجب ونحوهما.
ثم علل ذلك بقوله: لأنهم على ما قضاه الله أي تجري أفعالهم على ما سبق به القضاء من السعادة والشقاء، وأفعلا تمييز، ووجه جمعه اختلاف أنواع أفعال الخلق، فهو كقوله تعالى: {بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} 2 والله أعلم.
89-
يَرَى نَفْسَهُ بِالذَّمِّ أَوْلَى لِأَنَّهَا
... عَلَى المَجْدِ لَمْ تَلْعقْ مِنَ الصَّبْرِ وَالْأَلاَ
أي لا يشغل نفسه بعيب الناس وذمهم ويرى ذمه لنفسه أولى؛ لأنه يعلم منها ما لا يعلمه من غيرها أو يرى نفسه مقصرة بالنسبة إلى غيره ممن سبقه من المجتهدين فيذمها لذلك، وقوله: على المجد: أي على تحصيل الشرف