ههنا هي التي ذكرت هناك، وقد قال ابن عباس: الأيكة الغيضة ولم يعبرها بالمدينة والبلد قال: وهذا الاعتراض مردود إذا ثبتت هذه القراءة، ولا يبعد أن تسمى بقعة ليكة ثم يعبر عن ذلك البقعة بالغيضة والأيكة؛ لكثرة أشجارها، وقال الخليل: الأيكة غيضة تنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر، وقيل: الأيك شجر الدوم وهو المقل وهو أكثر شجر مدين، وقيل: بعث شعيب إلى مدين والأيكة وهما قريتان، قال صاحب الصحاح: من قرأ أصحاب الأيكة فهي الغيضة، ومن قرأ: "ليكة" فهي اسم القرية، ويقال: هما مثل بكة ومكة.
قلت: إنما قال ذلك تقليدا لما ذكره أبو عبيد، وإلا فلم يذكر في حرف الكاف فصلا للام ولا ذكره غيره فيما علمت، وقول الناظم: غيطلا منصوب على الحال من مفعول أخفضه؛ أي: مفسرا بذلك؛ لأن الغيطل جمع غيطلة وهي الشجر الكبير، وجعله الشيخ حالا من الفاعل فقال: اخفضه مفسرا أو متأولا ذلك بالغيطل،؛ أي: أنك في القراءة الأخرى إنما تتأوله بالبقعة، فقد صار للأيكة حالان حال هو فيها بقعة وحال هو فيها غيطلة فافعل ذلك به غيطلا.
929-
وَفِي نَزَّلَ التَّخْفِيفُ وَالرُّوحُ وَالأَمِيـ
... ـنُ رَفْعُهُما "عُـ"ـلْوٌ "سَمَا" وَتَبَجَّلا
يريد نزل به الروح الأمين فمع التخفيف رفع الروح؛ لأنه فاعل والأمين صفته ومع التشديد نصبهما على المفعولية، ويناسب التشديد ما قبله من قوله: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وعلو بضم العين وكسرها: نقي السفل بضم السين وكسرها.
930-
وَأَنَثْ يَكُنْ لِلْيَحْصَبِي وَارْفَعَ ايَةً
... وَفَا فَتَوَكَّلْ وَاوُ "ظَـ"ـمْئانِهِ "حَـ"ـلا
يريد: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً} قرأ الجماعة بتذكير يكن ونصب آية على أنها خبر كان، واسمها أن يعلمه علماء بني إسرائيل؛ أي: أو لم يكن علم العلماء آية لهم على صدقك، وعلى قراءة ابن عامر قال الزمخشري: جعلت آية اسما وأن يعلمه خبرا، قال: وليست كالأولى؛ لوقوع النكرة اسما والمعرفة خبرا، وقد خرج لها وجه آخر؛ ليتخلص من ذلك فقيل: في يكن ضمير القصة وآية أن يعلمه جملة واقعة موقع الخبر.
قال: ويجوز على هذا أن يكون لهم آية هي جملة لشأن وأن يعلمه بدل عن آية، ويجوز مع نصب الآية تأنيث يكن كقوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا} . قلت: ولكن لم يقرأ به، أما: "فتوكل على العزيز الرحيم" فرسم بالفاء في المدني والشامي، وبالواو في غيرهما، قال أبو علي: الوجهان حسنان، قال الشيخ: الواو عطف جملة على جملة، والفاء على أنه كالجزاء لما قبله، وقال الزمخشري: له محملان؛ في العطف أن يعطف على فقل أو فلا تدع، قلت: لا حاجة إلى جعلها عاطفة بل لها حكم قوله: فلا تدع فإن عصوك فهي في الجميع تفيد استئناف أمر غير ما تقدم والهاء في قول الناظم ظمآنه تعود إلى الفاء؛ لأن الفاء لما جعلت الواو مكانها هنا ظمئ المكان إليها، فقال: الواو أيضا خلت هنا والله أعلم.