الكفؤ المماثل، وأخائفة صفة للكفؤ أو بدل منه والإغضاء الستر، ونصب تجملا على أنه مفعول من أجله جعل كفؤها من كان بهذه الصفة؛ لأنه لثقته يعترف بأحسن ما فيها ويقف ويقضي عن الازدراء لما لا بد للبشر منه، قال الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} ، ثم إذا كان هذا الكفؤ أهلا لانتقادها فهو عالم وحينئذ يرى فيها من الفوائد والغرائب ما يغضي معه عن شيء يراه ولا يعجبه منها إلا أن يذكره على سبيل التنبيه على الفائدة كما أشرنا إليه في مواضع منها فإن هذه طريقة العلماء نصحا لمن يقف عليه ممن لا يبلغ درجته في العلم ذلك والمعاملة مع الله سبحانه، والأعمال بالنيات سهل الله تعالى لمن يقف على كامنا أن يعاملنا تلك المعاملة لكن الزمان قد فسد وكثر من أهله النكد فما يرضون عن أحد والمستعان عليهم ربنا الواحد الصمد.
1165-
وَلَيْسَ لَهَا إِلا ذُنُوبُ وَلِيِّهَا
... فَيَا طَيِّبَ الأَنْفَاسِ أَحْسِنْ تَأَوُّلا
وليها؛ أي: ناظمها؛ أي: أنها لما تكاملت صفات حسنها يعرو مفاصلها عن كل عوراء وكونها سهلة الخلق واعتنى بمعانيها ابتغت عند ذلك كفؤا يصلح للاتصال بها فما فيها ما يمنع الكفؤ منها إلا ذنوب وليها المتولي أمرها وكل هذه استعارات حسنة ملائم بعضها لبعض؛ يعني: أن صد الناس عنها أمر فما هو إلا ما يعلمه وليها في نفسه وإنما قال ذلك -رحمه الله- تواضعا لله والمؤمن يهجم نفسه بين يدي الله تعالى ويعترف بتقصيره في طاعته ولو بلغ منها ما بلغ وإلا فوليها -رحمه الله- كان أحد أولياء الله تعالى وقد لقيت جماعة من أصحابه مشايخ أئمة أكابر في أعيان هذه الأمة بمصر والشام وكلهم يعتقد فيه ذلك وأكثر منه مع إجلال له وتعظيم وتوقير حتى حملني ذلك منهم على أن قلت:
لقيت جماعة فضلاء فازوا
... بصحبة شيخ مصر الشاطبي
وكلهم يعظمه كثيرا
... كتعظيم الصحابة للنبي
وكأنه -رحمه الله- أشار بقوله: فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا إلى ذلك؛ أي: احمل كلامي على أحسن محامله وهو ما حملناه عليه من التواضع وهو كما قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وليت عليكم ولست بخيركم وكقول عمر ابن عبد العزيز -رضي الله عنه- في خطبته بعد ما وعظ، وذكر أما أني أقول لكم ولا أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي أو كما قال، وكان الناظم يقول الغرض بها أن ينفع الله بها عباده وينفع بالتعب عليها قائلها فإذا كان مذنبا عاصيا خشي أن يخمد الله علمه فلا ينتفع به أحد ثم إنه -رحمه الله- قال فيما أخبرني عنه شيخنا أبو الحسن وغيره لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله تعالى بها؛ لأني نظمتها لله وتأولا مفعول أحسن أو تمييز كما تقول طب نفسا وقر عينا لتطيب نفسك ولتقر عينك وليحسن تأويلك للكلام وذلك بحمله على أحسن محامله.
1166-
وَقُلْ رَحِمَ الرَّحمنُّ حَيًّا وَمَيِّتًا
... فَتًى كَانَ لِلإِنْصَافِ وَالْحِلْمِ مَعْقِلا
فتى مفعول رحم وحيا وميتا حالان منه متقدمان عليه وهذا اللفظ وجدته للإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل لما أرسل إليه آدم بن أبي إياس يعظه ويقوي نفسه على الصبر في أيام المحنة إذ كان محبوسا فقال أحمد حيا وميتا؛ يعني: آدم ذكره الخطيب أبو بكر في تاريخه في ترجمة آدم ثم وصف المفتي بقوله: للإنصاف والحلم معقلا؛ أي: حصنا