ولما أدخل أحد الحرفين في الآخر على سبيل التقريب، ونبا اللسان عنهما نبوة واحدة سمي إدغاما. وقيل: أصل الكلمة من الخفاء، ومنه الأدغم من الخيل: وهو الذي خفي سواده، فالحرف المدغم يخفى ولا يتبين، يقال: أدغَمَ وادَّغم بوزن أفعل وافتعل، وإنما فعلت العرب ذلك؛ طلبا للخفة لما ثقل التقاء الحرفين المتجانسين والمتقاربين على ألسنتهم، ويكون في بعض المواضع واجبا، وفي بعضها جائزا، وفي بعضها ممتنعا على تفصيل معروف عند علماء العربية.
وأما الإدغام في مذاهب القراء فينقسم إلى صغير وكبير: فالصغير ما اختلف في إدغامه من الحروف السواكن، ولا يكون إلا المتقاربين، وهو الذي يأتي ذكره بعد وقف حمزة وهشام على الهمز إلى أول باب الإمالة، وهو في تسعة أحرف يجمعها قولك: ذل ثرب دفنت، وكل المصنفين في علم القراءات يذكرونه،
وأما الإدغام الكبير فحذفه جماعة من المصنفين كصاحب العنوان ومكي والمهدوي، ومنهم من فرشه على ترتيب السور، وهو يكون في المثلين والمتقاربين من الحروف المتحركة؛ وسمي بالكبير لتأثيره في إمكان المتحرك قبل إدغامه، ولشموله نوعي المثلين والمتاقربين. ومن شواهد الإدغام الكبير في شعر العر ب قول عدي بن زيد:
وتذكر رب الخورنق إذ فكـ
... ـر يوما وللهدى تفكير
فقوله تذكر فعل ماضي ورب فاعله: وقال آخر:
عشية تمنى أن تكون حمامة
... بمكة يورويك السنار المحرم
116-
وَدُونَكَ الِاِدْغَامَ الْكَبِيرَ وَقُطْبُهُ
... أَبُو عَمْرٍ الْبَصْرِيُّ فِيهِ تَحَفَّلا
دونك هنا من ألفاظ الإغراء يقال: دونك كذا: أي خذه والإدغام مفعول به وقطب كل شيء: ملاكه وهو ما يقوم به، وقطب القوم سيدهم الذي يدور عليه أمرهم والواو في وقطبه للحال أو للاستئناف وقطبه مبتدأ وأبو عمرو خبره ثم استأنف جملة أخرى فقال: فيه تحفلا؛ أي: في أبي عمرو اجتمع الإدغام يقال تحفل المجلس وتحفل اللبن في الضرع وتحفل الوادي إذا امتلأ بالماء ويجوز أن يكون أبو عمرو عطف بيان والخبر فيه تحفلا على أن تكون الهاء في فيه للإدغام، وفاعل تحفل ضمير عائد على أبي عمرو أي تحفل أبو عمرو في أمر الإدغام من جميع حروفه ونقله والاحتجاج له والقراءة به يقال: احتفلت لكذا أو بكذا أو في كذا وتحفل بمعناه مثل اكتسب وتكسب أراد بذلك أن مدار الإدغام على أبي عمرو فمنه أخذ وإليه أسند وعنه اشتهر من بين القراء السبعة والإظهار والإدغام كلاهما مروي عن اليزيدي عن أبي عمرو من طريق الدوري والسوسي وغيرهما، ولم أر بعد في كتاب تخصيص رواية السوسي بذلك عن الدوري1، وقد كان الشيخ الشاطبي -رحمه الله- يقرئ به من طريق السوسي، ولم يوافق أبا عمرو في المشهور على شيء من الإدغام الكبير سوى حمزة في إدغام "بيت طائفة".